أحمد لعساس
 
بشراكة مع جمعية دادا عطا و بتنسيق مع جمعية تايتماتين، نظمت جمعية تاوادا للثقافة و التنمية و حقوق الإنسان يوما دراسيا حول "البنيات التنظيمية السياسية و السوسيو اقتصادية عند قبائل أيت عطا و أيت يافلمان" يوم الأحد 29 ماي 2016 بإغرم أمزدار- صاغرو بإقليم تنغير، بمشاركة نخبة من الأساتذة الجامعيين و الباحثين الأكاديميين و بحضور عدد من المهتمين بتاريخ الجنوب الشرقي.
 
في بداية هذا اليوم الدراسي رحب السيد حسن حركي رئيس جمعية دادا عطا في كلمته بالحضور و شكر جمعية تاوادا و الاساتذة المحاضرين. كما رحبت رئيسة جمعية تايتماتين بكل من ساهم من قريب أو من بعيد في انجاح هذه المبادرة القيمة التي تهتم بتاريخ اسامر.
 
في مداخلته قارب المفتش التربوي السيد محمد عليلوش الموضوع من خلال دراسة مؤسسة أمغار والطقوس المصاحبة لاختياره و كذلك المصاحبة لنهاية مهامه، و ركز على مفهوم التناوب الذي يعد من أحد اسس الديمقراطية المعاصرة. وتناول ايضا قيمة الفرد داخل النسيج القبلي و أولوية بنائه على قيم تيموزغا.
 
ثم انتقل الى دراسة العلاقات الداخلية والخارجية لاتحادية ايت عطا في ما بينهم وبين القبائل الاخرى. وكانت "تايسا" ،"تاضا" ، "تفركانت" و"تغرسي" أهم تلك المعاهدات التي تم الحديث عنها و عن الطقوس المصاحبة لها :
 
. تَايْسَّا: اتفاق لضمان حماية المسافرين في مناطق الحروب.
 
. تافركانت: معاهدة بين فردين او قبيلتين من اجل السلم.
 
. تاضا: معاهدة لوقف الحرب و ادامة السلم و يتم بتبادل الرضاعة بين نساء القبيلتين ليكون الاطفال اخوة بالرضاعة. فيدوم السلم حتى عندما يكبرون.
 
تغرسي: ميثاق بين الفرد و القبيلة يمكنه من الحصول على الجنسية. فعندما يرتكب فرد جريمة في قبيلته يطرد منها فيبحث عن قبيلة جديدة للانتماء اليها، يذبح اضحية و يعلن طلبه بالانتماء الى الفخذة و القبيلة الجديدة فيكتسب كل الحقوق و الواجبات السارية على افراد القبيلة الجديدة.
 
ــ معاهدات الصلح مثل "اعبان" لطلب العفو و الصفح عند ارتكاب جرم في حق احد ما.
وتحدث الأستاذ محمد لطيف في مداخلته عن دور "ازرفان" في تدبير العنف القبلي، و كيف حافظت هذه القوانين على حقوق الاقليات الدينية مثل اليهود و سمحت لهم بالحرية في الحركة التجارية داخل مجال الجنوب الشرقي، و حافظت على حقوق المرأة و الشعراء في التنقل بكل حرية. و اعتبر بأن الوعي بالتاريخ تحصين للمغرب من الانزلاق الى خراب الارهاب، و دعا الى الافتخار بالانتماء الى هذه الهوية و الثقافة التي تحترم التعدد و الاختلاف. وأشار الى أن التعدد العرقي و اللغوي و الديني و التعايش بين هذه المكونات مثال يحتذى به في زمن العنصرية، حتى امريكا و فرنسا لم تستطيعا بناء مثل ثقافة التعايش هذه. و الدعوة الى مزيد من الدراسة حول الاسباب الكامنة وراء هذا التعايش لتعميمه على كافة التراب الوطني.
 
ودعا الى دراسة التاريخ دراسة موضوعية و محايدة و تناول كل الاخفاقات و الحروب بين القبائل بكل شجاعة حتى نستفيد من عدم تكرارها و خاصة حروب ايت عطا و ايت يافلمان. ماضينا مليء بالكوارث، فترة باعلي، الكلاوي. ثم تناول العوامل التي سببت الحروب بالمنطقة كالجفاف و قلة الاراضي الصاحة للزراعة، كما ان تدخل المخزن كان يلعب دورا في اشعال الحروب بين القبائل. كما أن للعوامل السياسية دور آخر في الاصطدام بين القبائل من اجل القيادة. و قال أن اعادة كتابة تاريخ الجنوب الشرقي رهين بمشاركة الجميع عبر جمع الارشيف و تسجيل الروايات الشفهية و تثمينها بافلام وثائقية.
 
في شهادته الشفهية سرد الشيخ امحفوظ من تامتتوشت حكايات توثق دور الاعراف المحلية في ايقاف حروب بين قبيلتين بترحيل جزء من كل قبيلة الى القبيلة الاخرى لادماج الساكنة و توقف الحرب. وتحدث عن الاعراف المحلية في الارث و حرية الفرد في اختيار كيفية التقسيم، فهناك من يحجز ارثه للبنات فلا يباع و لا يشترى، وتحدث عن احكام من قتل قط جاره اذ يعوض الجار بالحبوب، و احكام قتل الكلب. وقال أن الاعراف ليست ثابتة و انما تختلف باختلاف النوازل، كما انها تختلف عن الاحكام الشرعية حيث لا تقطع يد السارق و انما يحكم عليه بالغرامة، لا يقتل القاتل و انما ينفى من القبيلة. واختم شهادته بقصيدة شعرية امازيغية من ابداعه.
 
الشيخ أمحفوظ مكتبة شعرية و تاريخية مهددة بالزوال، البحوث الجامعية وحدها لا تكفي لحفظ التراث المحلي من الضياع، لا بد من ايجاد حل مؤسساتي عاجل لجمع الروايات الشفوية و الآثار العمرانية و كل التراث الانساني المهدد بالضياع. محكمة صاغرو العرفية تحولت الى مكتب للحالة المدنية و احد شباب القرية يطالب بجعلها متحفا بعد استرجاع كل المخطوطات و تسجيل كل الروايات الشفهية التي تبرز أدوارها التاريخية في محاربة العنف القبلي و التصدي له بالحكمة القانونية و بالاعراف المنبثقة من تفاعل الانسان بالنوازل المعروضة عليه. ازرفان قوانين شفهية اكتسبت قدسيتها و احترامها من خلال مشاركة الساكنة في انتاج القوانين، لم تُمْنح و لم تُسْتَوْرَد و انما بُنِيت بالتوافق لغرض حل قضايا الناس.