زايد جرو - الرشيدية / جديد انفو

اللوحات  التي لم تكتمل بعد وهجرها الفنان محمد الزياني من تنغير اثارت فضولي كثيرا وتذكرت اقوال  الشعراء  والمبدعين عن مهيع الكلام  البين حين قيل أجمل الكلام هو الذي لم يكتب  بعد، واجمل عبارات الحب هي التي  لم تسمع بعد، واجمل الرقصات هي التي يتصورها الاعمى امام  حركات امرأة ترقص له وهو يتلذذ بالرقص توهما ، و من منظوري الخاص وبناء على ما سبق  انه يوجد في بعض الجنون حب ويوجد بعض المنطق في الجنون.

تعسفت كثيرا على الفنان وأرغمته بالتوسل على البوح  وهو مريض وأنا طبعا بدوري مريض، وكل منا يبحث عن الشفاء ،واحد طريح الفراش يقتات من الأمل ويتشافى يوما بعد يوم والحمد لله. والآخر بدوره  يتشافى يوما بعد يوما   حين يجد ما يقتات  به من نوادر الابداع  والمبدعين والفنانين  وعشاق الكلام المرصع ..ودعواتكم لنا بالشفاء جميعا ..

فما أنبل القلب الحزين الذي لا يمنعه حزنه من ان يردد  اناشيد المطر مع قلوب اناس  تنتظر قطرات مطر تزهر بها حياة  جديدة ،وما أجمل النساء اللواتي لا  تتذمرن من رحيل النهار وتوهجه وتنتظرن عودة السندباد من السفار والبحر يصرخ  من ورائهن وأمامهن بالرعود هو لن يعود ..وما أروعهن حين تصبرن لألم  أشواك شجيرات الورد مقتنعات  بأن فوق الاشوك وردة تجنينها لتقدمنها هدية لكل المرضى ولكل  العشاق ...

سألته عن مرسمه الموصد فأجاب  بحسرة ' أوصدت باب المرسم، وهجرت آخر لوحاتي ولم يجف دمع لونها بعد ، تركتها غير منتهية ...حتى اعود إليها مجددا لأتمم ما بدأته من أعمال فنية ومشاريع إبداعية كتمتها بداخلي الى حين '  كلام فيه لحظات الفرح الغامر بصرخات الرعب والبكاء الموجع اشتياقاً إلى شيء ما فقده مع أمل  العودة .

أرغمته  على البوح  وألححت  في اللغط لتكسير جدار الصمت - والله يحب العبد الملحاح - لإرسال صور من  اللوحات التي لم تكتمل بعد  ولم يتردد بالقول : 'انت عزيز على نفسي وخفيف على قلبي ،وأضع بين يديك امانة ما ابدعت وأدعها  إرثا بين  يدي متتبعي وأهل بلدتي تنغير الذين زرعوا في عشق الحياة ،ولهم مني كل الود والاحترام والتقدير ..وأعجز عن شكر كل  من شاركني الامي واحزاني ودعا لي بالشفاء. مودتي  لكل من نشر كلمة عشق وود.

توصلت بالصور ولم أرد التعسف عليها أو إعطائها تأويلا قد يكون مريضا و لا يليق بها ولا بالمقام  وتركت له الكلمة  فقال: ' هذه لوحات صارعت بها المرض ،كنت كل يوم وكل ليلة أبقى في مرسمي أوقات طويلة مشغولا من أجل إنهاء الجزء المهم من هذه الأعمال  التي راودتني منذ سنوات. أردت بها أن اترك إرثا فنيا إبداعيا'  .

وحول مواضيعها قال : ' مواضيع تناولتها  وهي تتعلق بالقراءة المستقبلية للإنسان  الجنوبي الذي مازال غارقا في الماضي بينما الشعوب تنظر إلى المستقبل  بعيون أخرى. ... عالم جديد وُلد وعلينا أن نندمج  فيه مع الوقت '

وحول رؤيته للعالم من خلال اللوحات التي لم تكتمل قال : ' العالم القديم ينطفيء  ويُمسح من اللوح العتيق وعلينا أن نتطور مع هذا العالم الرقمي المشفر ودون ذلك سنبقى في الحفرة نغسل أخطاء الأجداد والماضي والنهر يتدفق ويجري نحو غايته الازلية وعلينا أن نصعد إلى الأعلى لنرى الأفق  ونخرج من عالم عتيق متجاوز.'

وعن الطفل باللبس العتيق واللوح والصلصال  قال 'عندما يستيقظ ذلك الطفل من سبات الماضي  العتيق الذي فيه كل شيء من تقاليد وعادات ، وعندما يصعد به الفكر فيرى إشارات  تقوده نحو الأفق فيكتشف العالم الأزرق ،العالم الجديد، فالحياة  تتحول أمام عينيه إلى علامات ورموز وإشارات لابد لها من فهمها ثم محاولة فكها، وإلا بقي في أميته  ويصبح متجاوزا ويبقى في حفرة الماضي، بينما تيار نهر الحياة  يتدفق  ومياهه تجري نحو غايتها في رحلة لاتنتهي أبدا، تاركة الإنسان في طفولته يتلقى الأوامر  ويمسح ما تلقاه وحفظه على ظهر القلب... يغسل اللوح المحفوظ ويمسحه بالصلصال ليكتب عليه من جديد اشياء قديمة عليه أن يحفظها ،ليخرجها من النسيان.'

انتهى كلام الفنان محمد الزياني والقراءة صادرة من مبدع حول ابداعه والنقاد الذين يشتغلون على ربط الفن بالواقع ،لهم رؤى والنقاد الذين يشتغلون على دراسة الفن للفن لهم ايضا مواقف اخرى وتبقى اللوحات بين يدي الجميع فاصنعوا بها ما تشاؤون وكل قراءة لها، يصعب ان نقول بانها مجانبة للصواب بل هي إغناء وإثراء لهذا الفن وتقديرا لهذا الفنان الذي اشتغل اعواما في الظل اخلاصا للفن وللذات .