جديد أنفو / متابعة

لم يرن الهاتف مطولا حتى ردت خديجة على مكالمتنا، بصوت مرتجف وافقت وبدون تردد على التحدث إلينا ومقاسمتنا بعضا من تفاصيل حياة أختها أسماء التي انتهت بغثة في حادث الطائرة الألمانية.

في بداية الحديث، وليكون التواصل سلسا فضلت خديجة التحدث بالإسبانية بحكم أنها ولدت وترعرعت في اسبانيا، ورغم أن الكلام قد لا يسعف في ظروف مماثلة في وصف مشاعر الحزن والصدمة التي تلي فراقا مفاجئا، حاولت خديجة جاهدة التعبير عن ما يخالجها ووصف حال أسرتها في هكذا ظرف صعب.

وحتى لا نستبيح حزنها وتقديرا لحساسية الموضوع حرصنا على أن نترك خديجة تتحدث على سجيتها دون أن نقاطعها أو نقيدها بأسئلة أو استفسارات قد تضيع خيط السرد منها أو قد تبخس حقها في التعبير بطلاقة.

فاجعة لم تكن في الحسبان

من النهاية بدأت خديجة، كانت يومها في غرفة الجلوس تشاهد نشرة أخبار تصدرها خبر سقوط طائرة ما في مكان ما في فرنسا، أصغت إلى الخبر جيدا وتأسفت لمصير الركاب، ونسيت الموضوع. الفتاة، ذات الثامنة عشرة ربيعا، لم تخل للحظة أن للأمر علاقة بأختها التي غادرت صباحا رفقة زوجها في اتجاه ألمانيا.الأمر تطلب أكثر من ثلاثين دقيقة بعد سماع الخبر حتى تدرك أن أختها وزوجها قد يكونان معنيين بالحادث !

حادث أليم بعد ليلة زفاف بهيجة

الخبر نزل كالصاعقة على كل من كان يعرف أسماء، تحكي خديجة. لم تكن قد مرت 48 ساعة على حفل زفاف بهيج جمع كل أفراد الأسرة بالأقارب والأصدقاء استمر حتى الساعات الأولى من صباح الأحد . خلال تلك الليلة بدت أسماء كنجمة متلألئة، ارتدت الأبيض وتزينت بالحناء، وحرصت على أن تظهر عروسا مغربية بحتة في ليلة مميزة هي محطة عبورها إلى مرحلة جديدة من حياتها خططت لكل تفاصيلها مع زوجها محمد الطهريوي، الذي رتب كل شيء كي تكون البداية مريحة في ألمانيا حيث كان يشتغل.

والد أسماء توفي بغثة هو الأخر

خيط السرد، الذي ينقطع من حين لأخر بدموع خديجة، عاد بها عقدين إلى الوراء، لتحكي لنا عن قصة أسرة واحود العلاوي المكونة من أب وأم وأربع بنات وولدين، والتي شدت الرحال من مدينة الناظور صوب برشلونة قبل تسعة عشر عاما. حينها كان عمر أسماء لا يتجاوز أربع سنوات، وكباقي إخوتها ترعرعت ودرست في بلدة لاغوستا، وبعد أن أنهت دراستها العليا في علم الإدارة اشتغلت في مصنع للنسيج لكي تعيل أسرتها التي عاشت فاجعة فقدان رب الأسرة قبل أربع سنوات في حادث سير بالناظور. وقع حادث فقدان الأب كان أليما على كل أفراد الأسرة تقول خديجة .. غالبت دموعها.. تنهدت ثم استرسلت حديثها...

وصايا أسماء الأخيرة من المطار

حزمت أسماء حقائبها لترافق زوجها في رحلة ”اللاعودة “، غادرت في الصباح الباكر وفضلت أن لا تودع أحد، فهي لم تكن تدري أن الفراق سيكون أبديا. في المطار وقبل أن تستقل الطائرة خصصت الفقيدة بعض الوقت لتنسج كلمات رقيقة لشقيقاتها في رسالة أخيرة بعثتها عبر الواتساب. ..أوصت أختها الكبرى خيرا بزوجها وأبنائها، وطلبت من أختها خديجة أن تعتني بوالدتهن وبأصغر شقيقاتهن. وأنهت الرسالة بعبارة ” إلى لقاء قريب بإذن الله “

قوة الإيمان مقابل شدة الكرب

في نهاية الحديث علقت خديجة على ملابسات الحادث ونتائج التحقيق قائلة:” لن نعرف أبدا حقيقة ما وقع بالضبط، الله وحده يعلم أسباب الحادث ولله حكمته في ذلك. نحن نؤمن بأن الواقعة قضاء وقدر، والحمد لله على كل حال، أشكر الله أن شقيقتي توفيت وهي عروس في أوج سعادتها“

الدفن والوداع الأخير

إلى حدود كتابة هذه الأسطر لا تعرف الأسرة شيئا عن موعد الجنازة، كل ما تعرفه خديجة أن الدفن سيكون بمدينة الناظور في انتظار إيجاد أشلاء محمد وتسليم أشلاء جثة أسماء التي تعرف عليها المحققون سريعا بفضل وشوم حناء الزفاف التي نقشت على كفيها إلى الأبد.

المصدر: مدي 1 تي في