قال لي أحدهم وقد تحدثت معه في الموضوع:"كيف بربك تتحدث عن"الفقد"وكل الناس يتحدثون عن"الوجد"؟،قلت له:"فعلا لقد كنت معك من المشاركين في هذا المؤتمر العالمي الحاشد، ورأينا كلانا كيف وجد فيه الناس كل شيء ولم يفقدوا فيه ولا إبرة صغيرة واحدة فكيف بلوحة كبيرة أو لوحات على حد تعبير السيد رئيس الجهة"؟.وأردفت أقول :"لحظات..لقطات..وقفات..جلسات..لافتات..سميها ما شئت فهي عنوان لشيء واحد يعد بحق لوحات عبقرية إبداعية لحدث متميز وغير مسبوق احتضنته واحات أرفود البهية يومي 26 و27 مارس 2016،ألا وهو المؤتمر التأسيسي لمنتدى جهة درعة تافيلالت للخبراء والباحثين تحت شعار:"الخبرة والبحث العلمي في خدمة التنمية"،حدث استطاع المنظمون من مجلس الجهة أغلبية ومعارضة أن يجمعوا فيه أزيد من 1000 إطار وخبير وباحث من أبناء الجهة وأصدقائها عبر العالم (30 دولة)،ليتنادوا كلهم في ورش فكري و فني حاشد قد أبدع لوحات تنموية جهوية زاهية سلطانها البحث العلمي ومنجمها الموارد الطبيعية وجهازها التنفيذي الطاقات البشرية المحلية،وكانت حقا لوحات رائعة أخاذة وخريطة طريق لإقلاع تنموي حقيقي بالجهة الجنوبية الشرقية  فكرة وموضوعا،شكلا ومضمونا،ومنها:

  1. لوحة التفكير التنموي خارج المألوف: من طغيان المركزية ومحاولة الانعتاق الفردي وما يشتته من الطاقات ويخلقه من الصراعات على المصالح واستئثار الغالبين والمتمكنين بالخيرات..،مما ضيع على جهات وجهات عقودا وعقودا من الانجاز التنموي المهدور؟،لقد بنت الدول تقدمها على العلم والعمل والفلاحة والصناعة واستثمر بعضها في السياحة والإعلام وبعضها في الفنون والرياضات..،فهل نحن ملزمون بأن نظل حبيسي نماذج تنموية تقليدية فاشلة في حين أن غيرها متاح ومباح ومشاع؟،وإبداع المنتدى يكمن في كونه فكر خارج الصندوق فرحبه منطق جديد سلطانه العلم والمعرفة وتثمينه الخبرة والتجربة،ورافعاته تجميع الطاقات واستثمار الموارد والتشارك في القرار وضعا وتنفيذا،متابعة وتقييما، في مثلث تكاملي متناغم ومتساند الأضلاع لاشك سيحرك قطار التنمية بالجهة وليس فقط عجلتها؟؟.

  2. لوحة الانتماء والغيرة والوفاء: غيرة أبناء المنطقة عليها و وفاؤهم لها،وعندما نقول إنسانالمنطقة يعني الثراء المعرفي الحضاري والغنى القيمي والتراث التضامني،ولكنه هو المهجر من موطنه وعقر داره مكرها عطالة فقرا واضطرارا،فأصابه من الذبول ما أصابه:"كل منقالة مذبالة"،ومن تناقضات العصر وحمقه ما أصاب الثعلبة من حمقها:"ترضع أبناء الضبعة و تترك أبنائها"؟،ولقد كان المنتدى في الحقيقة طافحا بمشاعر الحنين والتدثر بالأرحام والتدفىء بالجذور والإبحار في ذكريات الطفولة والدراسة والغوص في تقاسم التجارب والخبرات الوطنية والدولية الجد مميزة،والتوثيق لذلك بسيل من الصور التذكارية،ولاشك أن كل ذلك سيكون محفزا كيميائيا كبيرا ودافعا قويا للمساهمة في تنمية الجهة وإغنائها بمكتسبات أبنائها وخبراتهم وأواصرهم واستثماراتهم؟؟.

  3. لوحة القيم المثلى والهمم العالية: لقد استغربت في الحقيقة كغيري من ذلك العدد الهائل من الأطر العليا بالجهة وخبرائها المتمرسين،وفقط ممن تمكنوا من حضور المنتدى وهم من ذوي الإشعاع الوطني والدولي الفريد،دكاترة ومهندسون وأساتذة جامعييون وقادة جمعويون،ذكورا وإناثا..شبابا وكهولا، وكلهم بروفايلات تنموية هائلة بمفردها فكيف بتعاونها وتجمعها،قسما بالله ولا أحنث،حتى لوكان التخلف صخرا جلمدا واقتربت منه مجرد الاقتراب لتكسر وتفتت،على قولهم:"تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً *** وإذا افترقن تكسرت أفرادا"؟؟.

  4. لوحة سلطان العلم والمعرفة: بعيدا عن كل الأوهام فقد آن الأوان في منظور المنتدى بتصحيح الوضع بأن يستعيد العلم دوره القيادي والريادي في الحياة والحياة التنموية خاصة،فتقود الجامعة هموم المجتمع وتبحث لها عن حلول،وليس أن تنفتح عليها فحسب وإذا ما شاءت فقط،ينبغي أن يقرر العلماء والخبراء في شؤون المجتمع بعلم ويقين قبل أن يقرر فيها غيرهم بالمناورات والمنازعات وفي أحسن الأحوال بالاكراهات وتسول المساعدات والصدقات،وكل ما لا يكون إلا وجها آخر لاستدامة الأزمة واستفحالها؟؟.قال تعالى في سورة الرحمان:"يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان" يعني العلم؟،وهكذا كان اليوم الأول يوم علم بامتياز نظمت فيه العديد من الورشات(06) حول مختلف المواضيع التنموية بالجهة، تطارح فيها المشاركون وجهات نظرهم في إشكاليات الموضوع،وتجلت وتألقت لديهم العديد من الأفكار الجيدة والمشاريع التنموية الهائلة،كمشروع القضاء على الاكتظاظ والهذر المدرسي،واستثمار الطاقة الشمسية في الضيعات والحقول الفلاحية،وفك العزلة وتنمية البنيات التحتية والمحافظة على البيئة وتثمين المنتوجات الواحية والطاقات والخبرات والثقافة والفنون المحلية،وجلب الاستثمار وإحداث المستشفى الجامعي وكلية "البولي تكنيك"وما أدراك ما "البولتكنيك"...،نسأل الله التوفيق والسداد؟؟.

  5. لوحة الممارسة الديمقراطية: كما سماها السيد الرئيس أيضا،وقد تمثلت في مدارسة القانون الأساسي لمؤسسة الخبراء والباحثين لجهة درعة تافيلالت،وانتخاب رئيسها وأعضاء مكتبها التنفيذي،وبقدر ما كان يوما مضنيا وشاقا فقد كان يوما ممتعا وزاده متعة وبهاء تنشيطه من طرف عميد كلية ابن زهر بأكادير الدكتور"عمر حلي" بقدراته التواصلية العالية والذي توفق بفضلها وإلى حد كبير جدا في استيعاب كل الحساسيات وما لا ينتهي من التدخلات والمقترحات واحترام كل مساطير القوانين التنظيمية،ولم تسجل خلال هذا اليوم الشاق على مداره لا "نرفزة" ولا احتجاج قوي ولا انسحاب، كان الأمر للناس أو عليهم وأخذ منهم أو أعطاهم،بل كان الجميع حاضرا ومسؤولا ومشاركا إيجابيا ومتعاونا فعالا إلى أن تمت كل العمليات الأساسية واحتفى الجميع بميلاد المؤسسة التنموية الجهوية ورئيسها الشاب الدكتور المهندس "الطيب صديقي" الذي صفق له الجميع وتمنى لمكتبه التوفيق والسداد،إنه الدرس الديمقراطي لأبناء الجنوبي الشرقي،الذين أبوا إلا جعل مصلحة جهتهم فوق كل شيء؟؟.

  6. لوحة التعاقد والتشارك: ويبدو فيها المنتدى جليا غير عابث في البرامج ولا عابىء بالتحديات،ولم يكن مجرد احتفاء بالعلم والمعرفة والخبرة والتنمية لمجرد الاحتفاء بل جعل له من وراء ذلك أهدافا تنموية واضحة وانتظارات ومخرجات حددها رئيس الجهة خلال كلمته المعالم في 10 انتظارات سيتعاقد مجلس الجهة بشأنها مع المؤسسة المنتدى وهي: رسالة المنتدى إلى كل أبناء الوطن والمهتمين وجلالة الملك على إبداع الجهة لنموذجها التنموي//مركزية الخبرة والبحث العلمي في هذا النموذج بما سيضع حدا لكل الأوهام//الإعداد الجماعي من هذا المنظور للمخطط التنموي للجهة//التعاون والشراكة بين الجيمات الثلاثة وهي الجهة والجامعة والجمعيات//إنتاج كتاب أبيض للترافع به من أجل هذا النموذج ومن أعمدته الصلبة جامعة "بولتكنيك" تراعى فيها الحاجات التنموية للجهة//إنتاج أطلس يثمن ثروات وخبرات وخيرات الجهة ومواردها الطبيعية ومآثرها التاريخية والسياحية//موسم سنوي للاحتفاء بالعلم والعلماء وتثمين البحث والإنتاج والتميز//مساهمة الكفاءات في تأطير الطلبة في الجامعة تطوعا أوبالمقابل فالمهم انتشار الخبرة وسد الخصاص//البحث الجماعي عن الموارد والاستثمارات//مشروع مساهمة الجهة في الحدث البيئي الذي ستحتضه بلادنا العام القادم cup22؟؟.

  7. اللوحة المفقودة: وهي لوحة جوهرة العقد أو الخيط الناظم لكل هذا المجهود المدني الجبار،لوحة ستعطي الانطلاقة لكل شيء في المشروع ولا تتركه كالعديد من المبادرات الرسمية الصاخبة قصورا وفشلا،ولا كالعديد من المبادرات الجادة والمتحررة والتي غالبا ما تتصدى لها جيوب المقاومة والفساد والاستبداد والحسابات السياسوية الضيقة،فتعرقلها وتضيق عليها أو تميعها وتفرغها من الجدوى والمردود حتى تفقد البريق والمعنى والالتفاف الشعبي حولها وتبوء بالفشل؟؟.لابد من لوحة أخرى إذن تجيب على بعض الأسئلة المقلقة والملحة والمشروعة،خاصة وأن الحدث بكل عظمته وجلاله يظل  وكأنه مجرد إطار جماعي للتفكير والتشخيص وتشخيص التشخيص،لم يبرمج فيه أي شيء ولا حددت فيه مشاريع ولا دراسات ولا مناطق ولا تواريخ ولا ميزانيات ولا شراكات ولا متابعات ولا...ولا...،من هنا مشروعية طرح بعض الأسئلة الحارقة والتي ولاشك سترسم معالم هذه اللوحة المنتظرة أكثر من غيرها:

  1. لماذا ظلت جهة درعة تافيلالت على ما ظلت عليه عقودا وعقودا وهي التي تمتلك كل ما تمتلك من الطاقات والموارد؟.

  2. ما هو المفهوم التنموي الذي تتبناه مؤسسة درعة تافيلالت وجل ما يتحدث عنه في منتداها بالأساس تحديث وبنيات على أهميتها؟.

  3. هل تكفي لتحقيق أحلام جهة أبناء الجنوب الشرقي وانتظاراتهم مجرد مبادرة مدنية على قدرها وجلالها وحشدها وإخلاص نواياها جدلا؟.

  4. ألم تعد الجهة جهة جبر الضرر والضرر الجماعي وضرورة العناية بالفئات الهشة كالنساء والفئات الواعدة كالأطفال،فهل ستلتفت إليهم المؤسسة وكيف ومتى وبماذا؟،وماذا سيصل في العموم إلى ساكنة الجهة الفقيرة المهمشة المعزولة وقد ناب عنهم في فعاليات المنتدى كثير من الفلاسفة كما ناب عنهم من قبل كثير من السياسيين دون جدوى؟؟.

  5. بعد هذا المجلس المسكون بهموم الجهة والساعي لإبداع بعض الحلول لمشاكلها العويصة وهي تريد الانطلاق من لاشيء،أي ضمانة لاستمرار المجالس الأخرى بعده في تحقيق الحلم واستمرار الأمل والملحمة بدل التراجع والنكوص؟.

  6. ما الذي يلزم السياسيين والمستثمرين الأخذ بآراء غيرهم من الخبراء والباحثين،والمعهود في الشأن السياسي في الغالب هو الأوامر والمصالح وفي الشأن الاقتصادي هي الأرباح والمنافع،مما أبعد العلم والعلماء عن جل الأمور وتركها على قول المثل:"خنفس دنفس ودوز الليل"؟،فأية استراتيجية للمنتدى حتى يقنع السلطة ويجمع الساكنة على رؤيته التنموية  العلمية ويكون لها الجميع ضامن قبول ونجاح، بها خير مبشر وعنها خير مدافع؟.

  7. أليس المجلس من جهة أخرى يزج بالجهة في مغامرة استهلاكية غير محسوبة العواقب،تتعنى بتظاهرات كبرى وانتظارات ومخرجات ربما لن تكون أحسن من مخرجات الحوار الوطني حول المجتمع المدني،والتي لم تغير وضعنا المدني الموبوء في شيء؟.

  8. أليست التنمية الحقيقية تتطلب ما يجمع عليه التنمويون من ضرورة: تحرير المعلومة وتفعيل الحق الدستوري في الوصول إليها حتى تشخص الأوضاع على حقيقتها//التواصل الفعال بين الهيئات والمؤسسات والفاعلين والجمعيات والتعاونيات والمقاولات وهو ما لا يحصل في الغالب إلا بأوامر وفي مناسبات//العدالة المجالية والتي في غيابها وغياب من يستميت في الدفاع عنها تضخ دون خجل ولا وجل ملايير ومشاريع في جهات وصبر و طيبوبة أبناء في جهات//الرؤية المندمجة للتنمية حتى تشمل الإنسان والعمران والقيم والمؤسسات،وليس مجرد عمران فاره ومؤسسات فارغة من القيم أولا تنتج منها في الغالب إلا السلبي الهدام//تفعيل المقاربة التشاركية والأدوار الدستورية الجديدة بين القطاعات الحكومية والهيئات المدنية والجماعات الترابية بما يحقق التعاون والتكامل وذات كل الأطراف،لا أن تمضي بعض الأطراف في وضع برامجها وتنفيذها دون هيئات شاهدة ولا شريكة//تجديد النخب ومحاربة من  يسمونهم ب"زكاريم"المؤسسات العمومية الفاسدة والتي لا أرضا تقطع ولا ظهرا تبقي//الاهتمام بالتسويق فالجهة تزخر بالطاقات المبادرة ويمكنها تشغيل ذاتها بذاتها في جمعيات وتعاونيات ومقاولات،وتنتج من المنتوجات الفلاحية والتقليدية كما رأينا في المعرض الجهوي للصناعة التقليدية ما تنتج،ولكن كل العارضين فيه كانوا يشكون من انعدام التسويق// وأخيرا،المعيارية التي ينبغي الحرص عليها وطنية على الأقل إن لم تكن دولية؟،فالاكتظاظ عندنا في الفصول الدراسية مثلا طبعنا معه وأصبح وكأنه هو الأصل وليس استثناءا ولا اضطرارا ودائما وليس مؤقتا ومنتشرا ولا معزولا؟،و وزير الصحة مثلا يتحدث عن إمكانية أخذ المريض لموعده بكل سهولة عبر الهاتف فقط،ولكن في مستشفانا الإقليمي لازال الناس يأتون من بعد صلاة الفجر وينتظرون في طوابير لا بداية لها ولا نهاية وينتظرون لأخذ موعد لهم على بعد 3 أو 6 أشهر وينتظرون إلى أن ينقضي وقت الدوام بالتمام والكمال ولا يصلهم دورهم ولا يأخذون غير الهم والغم والضغط والسكر والإهانة؟؟.وتلكم لوحة مفقودة أيضا لن ترسمها وتفك خيوطها المخبلة مؤسسة الجهة وحدها بل مع ساكنة الجهة ومناضليها وفعالياتها وما يتشبت به ويضحي من أجله الجميع،ألا وهو الحق في العيش الكريم الآمن وسط مرافئ رحبة من الديمقراطية وحقوق الإنسان وظلال وارفة من التنمية والعدالة، ترى ما ذا أعددنا لرسم هذه اللوحة الحلم الأمل الملحمة والملحمة الأمل الحلم اللوحة؟؟.