تافيلالت وكغيرها من مدن الجنوب الشرقي المغربي تتميز بخصائص ثقافية وعمرانية مهمة، خصائص موغلة في القدم ومتجدرة تجدر ارتباط الإنسان بهذا المجال. والحديث عن هذه الخصائص والمميزات بمختلف تجلياتها قد يمضي بنا الى الكشف عن مجموعة من الكنوز التي قد يطول الحديث عنها وربما يحتاج منا في واقع الأمر لتأليف الكتب والمجلدات وليس فقط المقالات.


والقصور باعتبارها التراث المادي الثقافي الغني الدال على قدم الإنسان واستيطانه بهذا المجال الجغرافي المترامي الأطراف يدل كذلك على براعة هذا الإنسان ونضوجه الفكري المتمثل في رسم هذه المعالم التاريخية الفريدة والرائعة، إذ استطاعت رغم مرور الزمان الصمود في وجه كل التغيرات المناخية والظروف الطبيعية القاسية راسخة شاهدة على تأريخ حقب مهمة من تاريخ هذه المنطقة.

والقصر في مدلوله الشائع أو "إغرم" باللغة الأمازيغية هو تجمع سكني داخل بناية موحدة محاطة بسور ضخم وعال تتخلله عدة أبراج تستعمل غالباً لدواعٍ أمنية أي بهدف المراقبة والحراسة، كما له أيضاً مدخل رئيسي واحد. هذا النمط العمراني الذي ينفرد به الجنوب الشرقي عموماً ارتبط بحاضرة سجلماسة على الخصوص فبعد أفول نجمها لجأت ساكنته إلى الاستقرار بهذه القصور والتي كانت بمثابة مدن مصغرة محصنة تتوفر بها كل مقومات ومستلزمات الحياة.

لكن وبالرغم من تاريخها التليد وعراقتها فإن هذه البنايات الطينية في غالبها طواها النسيان، فمنها من قضى ومنها من لا زال يقاوم في شموخ وإباء، دون أن تلقى منا أخلص رد اعتبار أو اهتمام لائق بها وبكينونتها، وكل ما يحز في النفس هو أن هذه المنشآت العمرانية أبان فيها ساكنة المجال الواحي عن علو كعبهم خصوصا في مجال الهندسة العمرانية الاصيلة وقدرتهم على التأقلم مع الطبيعة وتكييفها لطبيعة عيشهم.

أليس لنا الحق في أن نتساءل ماذا ينقص هذه المنشآت العمرانية الثقافية كي يتم تصنيفها كتراث إنساني وطني وعالمي خصوصاً وأنها تستجيب لكافة المعايير الثقافية التي تعتمدها المنظمات ذات الصلة وخاصة منظمة اليونسكو التي تقوم بتصنيف هذه المآثر تراثاً عالمياً، ولعل من بين أهم ما تعتمده لذلك من المعايير:

أن تمثل تحفة عبقرية خلاقة من صنع الانسان ولعل كل من شاهد هذه القصور سيلاحظ وبدون أدنى شك عبقرية ساكنها والتي تنم عن ذوق معماري رفيع.

أن تمثل شهادة فريدة من نوعها أو على الاقل استثنائية لتقليد ثقافي لحضارة قائمة او مندثرة.

أن تكون مثالا بارزا على نوعية من البناء أو المعمار او مثال تقني او مخطط يوضح مرحلة هامة في تاريخ البشرية.

هذه فقط بعض من المعايير التي تعتمدها اللجنة المسؤولة عن التصنيف بالإضافة إلى مجموعة من المعايير الاخرى والتي يمكن القول أن القصور تستجيب لها جميعا. لكن السؤال المطروح أين يكمن الخلل؟ وهل تم تقديم طلبات لمنظمة اليونسكو في هذا الشأن من أجل إدراج هذه المنشآت ضمن لائحة التراث الإنساني أو الوطني على الأقل؟ خصوصاً وأن هذه القصور أصبحت تتعرض لتشويه عمراني أخذ يسلبها الطابع التقليدي والفني الذي جبلت عليه.

ومن هذه الإطلالة، فإننا نوجه دعوة مفتوحة وصادقة لجميع الفاعلين والمهتمين والناشطين في المجال من أجل التدخل السريع لحماية هذه المنشآت العمرانية الثقافية الفريدة واتخاذ جميع الاجراءات والتدابير اللازمة بغية الحفاظ عليها، وتثمينها، وتأهيها كي تلعب دورها الكامل لأنها تشكل أحد مرتكزات ومقومات هويتنا الثقافية والتاريخية.