محمد حـــــداوي

          سبق أن تطرقنا أكثرمن مرة في منابر إعلامية مختلفة ،وفي مناسبات مختلفة، إلى العبثية المخجلة التي رافقت إنشاء العديد من المشاريع التنموية بقيادة حصيا إقليم تنغير جهة درعة تافيلالت... لقد أطنبنا الحديث فيها إلى حد التخمة المفرطة، مشاريع عرضناها كتابة وصورة دون أن نعرض أرقاما تفسد على المتتبعين مزاجهم وتمنعهم من النوم حين يعقدون مقارنات بين ما يرصد من ميزانيات للمنطقة وما يصل حقيقة  إلى أرض الواقع .وفي اللحظات التي سئمنا فيها الحديث عن تبذير المال العام في مشروع الخيرية التي تم بناؤها مرتين ،تم العودة من جديد إلى أطلالها الأولى البالية لتحويلها إلى دار الشباب لإخفاء معالم الجريمة التي تدين المشرفين على بنائها أكثر مما تمجد أفعالهم.

         ليست الخيرية وحدها هي التي كشفت عن خبث عقلية المتعاقبين على تسيير أمور المنطقة المهمشة،  بل كذلك المستوصف الذي تم بناؤه مرتين بعد تآكل البناية الأصلية وتساقط أجزاء كثيرة منها بعد تسليمها مباشرة للساكنة، ناهيك عن السوق الأسبوعي وشبكة مائية لبلدة كبيرة شابتها شوائب ..وسر ياحصاني قبل أن يطول لساني لعرض مشاريع أخرى فاشلة في عالم سمته العبثية ،عالم يفتقد إلى الحكامة الرشيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة..والطامة الكبرى أن كل هذه المشاريع التي تحدثنا عنها لم تعد تشكل مادة دسمة تلوكها السنة الناس في مجالس الشاي وهم يتسلون بأكل القروضات بعد أن انفجرت الفضيحة المدوية فيما يعرف بمشروع "تبر كنت" الكبير.

أما قصة هذا المشروع الذي هو أكبر مشروع عرفته المنطقة منذ تأسيس الجماعة، فقد جاء في إطار برنامج تزويد بلدات قيادة حصيا بالماء الشروب.وحسب البطاقة التقنية للمشروع، رصد له ميزانية تناهز المليار سنتيم.واستبشرت الساكنة خيرا..ومع طول الانتظار وصمت الحكماء الذي لزمه المسئولون كما العادة، بدأت الشكوك والإشاعات والأقاويل تتسرب من هنا وهناك  منتشرة بين الناس كما ينتشر النار في الهشيم. ليتأكد للجميع كما كان متوقعا بعد طول انتظار، وبعد بحث وتقصي أحد ممثلي الساكنة الذي يمثل المعارضة بالمجلس الجماعي فشل المشروع من جديد...فرغم الميزانية التي تقارب المليار سنتيم تم اختيارعبثا منطقة جذباء لاماء فيها ،منطقة بعيدة بكلومترات طويلة عن أعين الساكنة وعن البلدات ليتم حفر بئر لايكفي لسد حاجيات عشرة منازل من الماء الشروب. والطامة الكبرى التي كشفت غباء المسئولين ومكرهم وعبثيهم الزائدة كما يقول احد المواطنين هو الاشتغال في حفر الخنادق وتجهيزها بالأنابيب وطمرها والبحث عن تجهيز البئر بالألواح الشمسية رغم علمهم بالمستوى الضعيف لمخزون البئر من المياه.ويتساءل مواطن آخر بحرقة قائلا: إذا كان مخزون الآبار لايكفي لسد حاجيات الساكنة فلماذا لايتم البحث عن نقط مائية أخرى وتجريب مخزونها من الماء أولا، حتى إذا تأكد وفرة المياه بعدها يتم حفر الخنادق وطمر الأنابيب؟،ويتساءل متشككا :الم يكن حفر الخنادق وطمر الانانبيب يتم لغاية في نفس يعقوب؟، مالذي يجعل هؤلاء يحفرون الخنادق رغم علمهم بحقيقة ما في البئر القابل ماؤه للنضوب في أية لحظة؟،ترى هل الخطأ بالمنطقة سياسة من السياسات العمومية التي تخدم أهدفا ومرامي يجهلها المواطنين الضحايا دائما ؟...

بفشل اكبر مشروع عرفته الجماعة منذ تأسيسها إلى اليوم ، عادت مرة أخرى مشكلة الماء الصالح للشرب لتطفو على سطح أرض حصيا من جديد. وبعودة هذه المشكلة ، عاد النحس والحنق ليرفرف بجناحية على أجواء المنطقة وهو يتطاير مع غبار الشاحنة الصهريجية التي توزع  على البيوت بضعة قطرات ماء وكأنها جىء بها من بئر زمزم بالسعودية.وكان  هذا الفعل وحده ،سببا كافيا لإثارة إستياء الساكنة التي سئمت من قصص المشاريع الفاشلة، ومن يقف خلفها..فبعد مشاهد كثيرة لمسرحيات مشاريع عبثية متتالية لاتطاق استفزت أصحاب الضمائر الميتة قبل الحية من الساكنة ،بات البعض يتساءل إن كان ما يجري مقصودا ومدبرا.. أسئلة وأسئلة كثيرة تطرحها الساكنة يأبى المسئولون الإجابة عنها بوضوح وشجاعة. ولا بيان حقيقة يصدر عنهم للحد من الإشاعات التي يتغدى  بها الرأي العام كل يوم. حاولنا أكثر من مرة الاتصال برئيس الجماعة الذي توارى عن أنظار العامة لاستقصاء وجهة نظره حول الموضوع للحد من القيل والقال دون أن نفلح في ذلك .

أسئلة وأسئلة حول مشاريع تنموية كثيرة فاشلة لاتجد لها أجوبة، وإن وجدتها تجدها أجوبة مشبوهة وكاذبة ..وهذه الأجوبة التي لاتعرف الحقيقة تتحول إلى قلة أدب وقلة ذوق...تبحث هنا وهناك عن أجوبة مقنعة ولاجواب يستطيع أن يدخل عقل طفل صغير خاصة مع مثل هذا المشروع بميزانية تناهز المليارسنتيم.. هكذا بدأت تكثر أسئلة المنطقة سنة بعد أخرى مع صمت المسئولين حيال ما يجري من تفاهة وعبث.

ما يعلمه الجميع أن كل شيء هائل وغير مفهوم في هذه المنطقة النائية التي تكتنفها الكثير من الأسرار والغموض، منطقة تطاردها لعنة المشاريع التنموية الفاشلة..والمنطقة التي تكثر أسئلتها البلهاء كما يقال تصبح مرتعا للبعوض والحشرات المضرة، وذلك هو شأن هذه المنطقة التي ترصد لها ميزانيات تلو أخرى، ميزانيات حكومية وأخرى تضامنية أجنبية كان بإمكانها أن تحول المنطقة إلى ما يشبه حي من أحياء دبي بالإمارات العربية  لو أحسن تدبيرها وترشيدها ، إلا أنها ميزانيات تتبخر دائما  في ظروف غامضة ،ولا أحد يعرف كيف يتم إنفاقها . ومع هذه اللعبة يضيع المواطن ومعه الدولة التي تتطلع إلى تنمية هذه المنطقة النائية التي تعيش كما يبدو في كف عفريت لا يقهر..فالقضية لاتطاق، والأمور تطورت بشكل ملفت للنظر، والخطر زاد ويهدد مع الصمت الكبير وغياب الوضوح والشفافية، تكسير هيبة المؤسسات المحلية لدولة الحق والقانون..ومن أجل هذا ندق ناقوس الخطر....