د. لحسن تاوشيخت- الرباط /جديد أنفو

3. مقاومة آيت خباش للغزو الفرنسي:

وفقا لما ورد في النصوص المكتوبة القليلة جدا واعتمادا على الرواية الشفوية، لم يظهر آيت خباش على مسرح الأحداث السياسية المغربية كقوة لا يستهان بها وبمعزل عن اتحادية آيت عطا إلا مع تزايد الأطماع الفرنسية وزحفها نحو الواحات الصحراوية كتوات وكورارة انطلاقا من التراب الجزائري. وقد كان من الطبيعي أن تكون مقاومة آيت خباش ومعهم باقي قبائل منطقة الجنوب الشرقي المغربي، للغزو الفرنسي قوية ودامية لما يمثله هذا الغزو من أخطار تحول دون الاستفادة من خيرات الواحات والمتميزة أصلا بالندرة، ناهيك عن كرههم لكل دخيل أجنبي، فبالأحرى أن يتعلق الأمر بمحتل ذي عقيدة نصرانية. كما أن هذا الاحتلال "حرم آيت خباش من دائرة نفوذهم وتأثيرهم الرئيسية وجعل بعضهم يهاجر نحو الشمال الغربي وينظمون حركات الجهاد انطلاقا من تافيلالت"[1]. وكانت نتيجة هذه المقاومة النفسية والميدانية أن نعتهم الفرنسيون بأقدح الأوصاف كاعتبارهم لصوصا وقطاع طرق، بل ومنهم من ذهب إلى درجة القول بأن آيت عطا ومنهم آيت خباش بطبيعة الحال "لا يشعرون بانتمائهم إلى وطن لأن هذا المفهوم غريب عنهم"[2]. ويصفهم أحد قادة الاحتلال الفرنسي (اللواء جيرو) بأنهم "سلابون محترفون وعلى استعداد لكل المغامرات الناجحة"[3]. في حين ذهب الجنرال هوري Hure أبعد من ذلك فاعتبرهم مجرد "كلاب ضالة تستحق الموت"[4]. هذه النعوت كافية للدلالة على الحقد الاستعماري من جهة وللتعبير عن استماتة آيت خباش في وجه المستعمر من جهة ثانية وهو ما سنعرض إليه بتلخيص في السطور الموالية.

كان للموقع الاستراتيجي لواحات توات، كورارة وتديكلت وما يمثله خاصة كبوابة للزحف الفرنسي على بلاد المغرب، أن حاول الفرنسيون في البداية إغراء السكان المحليين كما تجلى في العرض الذي تقدموا به لأهل توات منذ سنة 1860 مصحوبا بالهدايا الثمينة والمغرية، لكن هؤلاء فطنوا للنوايا الفرنسية فعبروا عن تشبثهم بمغربيتهم، بل وراسلوا الخليفة السلطاني بتافيلالت مشعرين إياه بخطورة الموقف[5]. مع فشل هذه الخطة الإغرائية وتحت ذريعة حماية مصالحها داخل الجزائر من هجمات المقاومة التي تنطلق من هذه الواحات، بادرت القوات الاستعمارية للسيطرة على واحتي عين صالح وتديكلت، مما أثار حفيظة السكان المحليين الرحل والمستقرين على السواء خاصة بعد أن تضررت تجارة القوافل. وكان آيت خباش يتزعمون هذه المقاومة، فوقعت بينهم وبين الفرنسيين عدة معارك طاحنة يقول عنها أحد المؤرخين المعاصرين: "أن القوات الفرنسية المتمركزة بوهران لم

تستطع السيطرة على توات وكورارة "تيكورارين" إلا بعد معارك ضارية ضد أنصاف الرحل "آيت خباش" الذين كانوا منذ قرن يفرضون دعايتهم على سكان الواحات"[6]. وتذكر الرواية الشفوية أن آيت خباش خاضوا عدة حروب ضد الفرنسيين أهمها معركة تينميمون يوم 18 فبراير 1900 والتي تعتبر أم المعارك حيث كبدوا خلالها الغزاة خسائر فادحة بشهادة الصحافي بول لينار Paul Lenard الذي استنكر عدم اعتماد الفرنسيين على المدافع[7]. ولا زال صدى هذه المعركة عالقا بالذاكرة الشعبية المحلية، إذ تقول إحدى المواويل التي رُددت عند استقبال المقاتلين العائدين:

تلا تينميمون توكر ما يداك إيلان              (تينميمون هي أم المعارك السابقة)

أليمت غف ويدا دياغولن                     (يا نساء انذبن العائدين)

أما ونا ورد إيذين                            (أما الذين لم يرجعوا)

الجنت أكني أيلان                            (فحسبهم الجنة)

وقد شكلت هذه المعركة إلى جانب معركتي "تين إيخباض" و"تيمي" ضربة موجعة للقوات الفرنسية ولممثلها بمنطقة عين صالح القائد "بين Pein"[8]. أما المعركة الحاسمة الأخرى فيطلق عليها "إقشوان" نسبة إلى منطقة المنقار وقد اعترف شارل أندري جوليان Charles-André Julien بمقتل 26 جنديا فرنسيا[9]. وقد غنم آيت خباش من هذه المعارك قطعا مهمة من الأسلحة استطاعوا بواسطتها تكثيف وتوسيع هجماتهم ضد الفرنسيين خاصة بعد أن تمكنوا من تهريب البارود من الجزائر وسط القِرَب المملوءة بالماء. وهكذا تمكنوا في يوم 2 شتنبر 1900 من قتل 36 جنديا فرنسيا لدى مرور قافلتهم في منطقة القفار دون أن تتمكن القوات الفرنسية من ملاحقتهم، مما أرغم الجنرال ليوطي على الدخول في مفاوضات معهم على أساس عدم التعرض بأي أدى لمصالحهم وماشيتهم في المناطق الممتدة بين توات وتافيلالت مقابل وضع حد لأعمالهم المسلحة. إلا أن شيوخ القبيلة اتفقوا على رفض هذا العرض في رسالة وجهوها للقائد الفرنسي، بل وصمموا على تصعيد المقاومة[10]. وبالفعل شن آيت خباش عدة هجمات ضد المستعمر الفرنسي وشاركوا في مختلف أطوار المقاومة المحلية، مثل معركة بوذنيب في شتنبر 1908 ومعركة مسكي في يوم 9 يوليو 1916 ومعركة جبل أمي إرزان شرق مدينة أرفود في يوم 16 نونبر 1916 ومعركة تغمرت في يوم 15 أكتوبر 1918 ومعركة البطحاء يوم الجمعة 9 غشت 1918 وعنها احتفظت الرواية الشفوية بالأبيات الشعرية التالية:

أوتات أيعريمن، هيات تيتي، كات أفا        (اضربوا يا شبان صوبوا الضربات، اطلقوا النار)

أترباتين أدور تينيمت إس نكوفا            (يا بنات لا تقلن أننا جبناء)

هات لانفاض أورسينغ اسيد إكات          (فبالأنفاض "قنابل النار" التي أجهل يضربني بها)

سيرس النفض، أسي العدة نك أنزيت      (اترك النفض، خذ سلاحك الخفيف حتى نتساوى)

 

وتجدر الإشارة إلى أن آيت خباش كانوا السباقين في مواجهة التدخل الفرنسي في الجنوب الشرقي المغربي، واستمرت مقاومتهم له حتى منتصف الثلاثينيات من القرن 20 الميلادي بعد انتهاء معارك بوكافر في نهاية مارس 1933 وعودة آيت خباش وآيت حسو من منفاهم بوادي نون "منطقة الأبيار" سنة 1934. وعمل الفرنسيون في إطار ما أطلقوا عليه اسم "التهدئة pacification" بإقامة عدة مراكز عسكرية مثل مركز الطاوس سنة 1930 وفرقوا قبيلة آيت خباش على ثلاث مناطق إدارية تطبيقا لمبدأ "فرق تسد": فقسم منهم ألحقوه بمركز زاكورة مع إبقاء قضاياهم القضائية على ذمة المحكمة العرفية بالطاوس، القسم الثاني كان تابعا لمركزي أوفوس وأرفود ولمحكمة آيت عطا العرفية بأوفوس والقسم الأخير يخضع لمركز الريصاني وللمحكمة الشرعية المحلية.

..................................................

DUNN (Ross E): Resistance in the desert. Madison, The university of Wisconsin Press 1977) (p 182).

[2] بوراس عبد القادر، "مقاومة أهالي تافيلالت والأسطوغرافية الاستعمارية " (1914-1934) ، مجلة دار النيابة، العدد 28 السنة 8، 1991 (ص: 43)

[3] D’ESME (Jean): Bournazel, l’homme rouge. Rabat, Bibliothèque Générale 1930 (p 215).

[4] HURE (le général A): la pacification du Maroc, dernière étape (1931-1934). Paris, édit, Berger Levraut 1951 (p 190)

[5] عياش جرمان، دراسات في تاريخ المغرب، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة 1986، (ص: 175)

[6] LE FEBURE (Claude): «Ayt Khebbach, impasse sud-est: l’évolution d’une tribu marocaine exclue du Sahara», Revue de l’Occident musulman et de la Méditerranée. Numéro spécial, thème: Désert et montagne au Maghreb. Volume 41-42. Edition Sud, 1986 (p 138).

[7] Idem: p 158.

[8] Idem: p 136.

[9] JULIEN (Charles - André): Le Maroc face aux impérialismes. Paris, édition Jeune Afrique 1978 (p 40).

[10] LE FEBURE (Claude) : op-cit (p 141).