أصبح مصطلح " الحكرة " يكتسي طابع الكونية ، وذلك بحكم دخوله مجال الاستعمال والتداول العالمي . انتقل مصطلح "الحكرة " من مجال التداول ألمغاربي إلى مجال التداول العالمي ، نظرا لتأثير نظام العولمة . فقد تحول العالم إلى قرية صغيرة ، وأصبحت المعلومات والأفكار تنتقل من وطن إلى وطن آخر بدون قيود أو حواجز رقابية أو جمركية .

إن مفهوم " الحكرة " يحيل إلي الاحتقار والغبن ، وهو إحساس نفسي يشعر به كل من يعاني من الظلم سواء كان هذا الظلم ذو طابع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي ...الخ ولكي لا أبقى في إطار العموميات ، سأنتقل من المجرد إلى المحسوس ، لأشير أن الإحساس ب " الحكرة " هو إحساس أصبح يلازم سكان بوعرفة / فجيج وكل سكان المغرب العميق ، بل أصبح يولد لديهم نوعا من الإحساس بالدونية والنقص على مستوى الموطنة .

في المقال التالي سأستعرض بعض مظاهر " الحكرة " التي ولدتها لدى سكان بوعرفة وإقليم فجيج بعض السياسات والممارسات الاقصائية ، على أن أعود إلى التعريف بمظاهر أخرى كلما سنحت الفرصة لذلك .

غضبة الشيخ زايد الذي ذهب ولم يعد في بداية التسعينات وفي إطار الشراكة والصداقة التي تجمع بين دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة والدولة المغربية ، أنشأت مؤسسة الشيخ زايد للتنمية تجزئة سكنية ببوعرفة . تضم التجزئة التي ستسمى لاحقا بحي الإمارات : أزيد من 120 منزلا ومدرسة ومسجد وبعض المرافق الاقتصادية والاجتماعية ، وكان مقررا أن يستفيد من المشروع سكان حي الخيام الهامشي ببوعرفة . بعد زيارة المرحوم الشيخ زايد إلى بوعرفة ومعاينته للمشروع ، غضب غضبة شديدة حسب بعض المصادر آنذاك ، لكون المشروع اعتراه الغش و جاء مخالفا للمواصفات المتفق عليها .

المطار طار والمستشفى تبخر من المشاريع التي أعطى المرحوم الشيخ زايد انطلاقتها كذلك على اثر زيارته إلى مدينة بوعرفة في بداية التسعينات : المطار والمستشفى المتعدد الاختصاصات . بيد أن المشروعين لم ينجزا لأسباب لها علاقة ب " الحكرة " . فحسب علمي فان المسؤولين ببوعرفة هم من قاموا ببعث تقارير إلى السلطات المركزية يؤكدون فيها انعدام شروط نجاح المشروعين ببوعرفة . فحسب بعض العارفين فقد تدخل البعض لكي يتم تحويل اعتمادات المستشفى إلى جهة أخرى ، أما المطار فقد أرسلت تقارير إلى مديرية المطارات حتى لا يتم انجازه ببوعرفة . لكن بعد إصرار دولة الإمارات العربية ، والتي يزور حكامها المنطقة سنويا للاستجمام والقنص ، تم انجاز مشروع المطار- الذي يعتبر الآن في وضعية بطالة رغم أنه يحتوي على ثاني مهبط على المستوى الوطني بعد مطار الدار البيضاء - لكن بعد 15 سنة من التعثر ، فيما لا زلنا نجهل مصير المستشفى المتعدد الاختصاصات الذي تم الوعد بإنشائه .

السباحة في المياه الآسنة والمستنقعات بتاريخ 16 ابريل 2014 دشن وفد رفيع المستوى - يتكون من سفير مملكة البحرين ووزير الشباب والرياضة وعامل اقليم فجيج وشخصيات مدنية وعسكرية- " مركز الشباب ببوعرفة " . أقيم هذا المركز في مدخل المدينة من الجهة الغربية ، على مساحة تقدر ب 15010 متر مربع بهبة بحرينية تقدر ب 26 مليون درهما ، ويدخل في اطار علاقات الصداقة التي تربط بين الدولتين الشقيقيتين ( المغرب والبحرين ) .

إن ما استفزني بخصوص هذا الحدث ، و استفز غيري من أبناء المدينة ، وكل الغيورين عليها طبعا ، أن المركز لا يشمل كل المرافق التي تم الوعد بها وخاصة المسبح المكيف والمغطى . لقد استبشر شباب المدينة خيرا بعد علمهم بان المشروع يضم مرافق مهمة ومنها طبعا المسبح المكيف والمغطى ، لكن جهات معينة أجهضت هذا الحلم بدوافع وخلفيات لا يعرفها إلا من قاموا بالتشطيب على المسبح من قائمة المرافق . لذلك أتساءل هنا كغيري من أبناء مدينة بوعرفة : - ما هو مصير المسبح المكيف والمغطى ؟ - ما هي الجهة التي قامت بالتشطيب عليه من قائمة المرافق ؟ - هل تم تحويل المشروع إلى جهة معينة ؟ وما هي هذه الجهة ؟ - ألا يستحق شباب بوعرفة هذا المرفق ؟ - أليس من الأجدر بالنسبة لأطفال وبشباب بوعرفة السباحة في البرك ومياه المستنقعات بدل التفكير في المسبح المغطى ؟ هي أسئلة يطرحها أبناء بوعرفة على المسؤولين محليا ومركزيا ، ولو أنهم لن يتلقوا أبدا إجابات شافية عنها ، لأنه أرسلت من هنا ربما تقارير تبلغ من يهمهم شان تدبير قطاع الشباب والرياضة بان شباب بوعرفة لا يحسنون السباحة وان المدينة لا تستحق هذا المرفق الثانوي . اقتصاد الريع أو ( خيري يديه غيري) من مظاهر " الحكرة " ببوعرفة استفادة البعض من اقتصاد الريع على حساب فقر وعوز اغلب ساكنة المدينة ، وهنا سأضرب مثالا واحدا فقط ولو أن الأمثلة متعددة .

توجد بمدينة بوعرفة 17 سيارة أجرة صغيرة ، رخصة استغلال 15 منها بحوزة أشخاص لا علاقة لهم بمدينة بوعرفة ، إنها في ملكية أشخاص ينحدرون من مناطق مختلفة ، استفادوا منها بطرق معينة . سبق أن طرحت عدة هيئات مدنية هذا النوع من " الحكرة " على العمال الذين تعاقبوا على الإقليم ، بل حتى على والي الجهة السابق الإبراهيمي ، وأجابوا بان تلك هبات ملكية وأن الدستور يؤكد مبدأ المساواة بين المغاربة .

استغل بدوري هذه المبررات وأطرح الأسئلة التالية ّ:

- إذا كان الأمر كذلك ، فلماذا لا يستفيد أبناء المدينة من رخص استغلال سيارات الأجرة و الحافلات وشاحنات نقل البضائع ورخص الصيد في أعالي البحار ورخص استغلال الرخام والغاسول والمياه المعدنية في مدن أخرى

- ولو أنني سياسيا ارفض اقتصاد الريع - ؟

- لماذا لم تسلم الرخص لأزيد من 30 شخصا تم وعدهم بالاستفادة من امتيازات الرخص بعد الزيارة الملكية الأخيرة لبوعرفة ، رغم إجرائهم للبحوث والتحقيقات من طرف الجهات المختصة ؟

- لماذا لا تسلم الرخص إلى من هم أولى بذلك ، أي المهنيين العاملين بقطاع النقل والفئات التي تعاني من وضعية الهشاشة ؟

بوعرفة لا تصلح إلا للتأديب إقليم فجيج / بوعرفة لا يستحق مثل هذه المشاريع السابقة الذكر، حسب المسؤولين المحليين الذين تحملوا مسؤولية تولية شؤوننا . فالإقليم لا يصلح إلا ليكون منطقة تأديبية . وهذا ما يحصل بالفعل ، فقد سبق أن نقل على سبل التأديب إلى الإقليم بعض المسؤولين الأمنيين ورجال القضاء ومندوبين وموظفين وغيرهم ، ومنهم من ارتكب أخطاء مهنية جسيمة تستدعي العزل والتجريد من الوظيفة والمسؤولية .

كلمة أخيرة هذه مجرد أمثلة قليلة لتجسيد بعض مظاهر " الحكرة " بببوعرفة وإقليم فجيج . ومن الأكيد آن هناك أمثلة كثيرة غيرها ، يتحمل المسؤولية الكاملة عنها بعض الذين تعاقبوا على تحمل المسؤولية على الإقليم . . وعليه نهمس في أّذان كل من تعمد الإقصاء والتهميش والاحتقار من المسؤولين المحليين والإقليميين : " إن من يزرع الاحتقار سيجني حتما الغضب " .