إذا كما سبق أن ذكرنا في المقال السابق الثقافة الشعبية المغربية مثلها مثل جميع الثقافات العالمية لا يمكن أن تدعي المثالية والكمالية والشمولية, إذ تحمل في صفحاتها الوجه الأبيض كما الوجه الأسود, وقد تناولنا موضوع المرأة من هذا المنظور السلبي في الثقافة الشعبية المغربية.أما اليوم فسنحاول تناول بعض الجوانب التي عالجت فيها هذه الثقافة كيفية التعامل مع الأخر والزمن.

لقد اخترت التطرق لهذا الموضوع نظرا للرمزية والقداسة التي يحملها في حياة المغاربة وكيف نؤثر سلبا على تعاملهم مع الأخر وما ينتج عنه من نتائج سلبية تمس التفاعل الاجتماعي والبناء الاجتماعي. أول مثل ويمكن أن يكون أشهر الأمثلة عند المغاربة وأكثرهم استعمالا في الحياة اليومية فهو يحكم سلوكياتهم المختلفة."سبق الميم ترتاح" لو أردنا أن نعرفه تعريف صريحا لقرنا بأنه دعوة واضحة إلى عدم التضامن والتعاون وقطع يد المساعدة التي تقدم إلى الأخر, وبالتالي الابتعاد عنه و رفض فرص التعايش الاجتماعي .إن هذا المثال الشعبي الذي يحفظه الصغير قبل الكبير فهو نصيحة الأم لأبنائها كل صباح , يشكل خطرا كبير على المجتمع المغربي, تدعوا إلى التجرد من المسؤولية, وكتمان الشهادة, ودعوة إلا تفضيل حب الأنا والذات في مقابل حب الخير للأخر والمجتمع ,إنه مثال يدعوا إلى السلبية في التعامل وعدم الرفق ويجعل الإنسان آلة مبرمجة يهمها فقط أن تبتعد عن الناس ومشاكلهم بقول "ما شفتش ما سمعتش ما كنعرفش ما عنديش......"فليمت من يمت وليحرق من يحرق المهم أن أكون أنا بعيدا عن كل هذا .

المثل الثاني وهو أيضا مثال مشهور وعلى ألسنة الناس مطبوع,"ما دير خير ما يطرا باس" أما هذا فهو دعوة إلى التقوقع على الذات والانغلاق عن الأخر وعن المجتمع والابتعاد عنهم قدر المستطاع وعدم ربط صلة إيجابية بهم أو تقيم يد المساعدة لهم,فهو يكمل المثل السابق ويتواطأ معه على الترصد للضمير الإنساني وقتله بسكين اللامبالاة وعدم الاكثرات, فليغرق من يغرق وليقتل من يقتل أنا لن أتدخل لأن مصلحتي الشخصية أهم من كل المصالح الأخرى.

لكن لماذا لا تستحضر مثل هذه الأمثلة وجهة نظر الإسلام في مساعدة الأخر والأخذ بيده ,فالإسلام دين التضامن والتعاون ؟ يقول صلى الله عليه و سلم: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة "
إن ما يعيشه المغرب اليوم من ارتفاع قوي في معدلات الجريمة والانحراف بأشكالهما, وانتشار حالة الفوضى وعدم الاستقرار والأمان في العديد من المناطق جعل الناس يحتكمون إلى مثل هذه الأمثلة لأنها بالنسبة لهم طوق النجاة الوحيد من هذه الخلل الاجتماعي الخطير.
الموضوع الثالث هو كيفية التعامل مع الوقت,فبالرغم من أن جميع الشعوب والحضارات على مر الزمان قدست الوقت وأعطته من الأهمية الشيء الكثير ,إلا أن هذه الآية جاءت إلى بلاد المغاربة وانقلبت,فالوقت بالنسبة لهم ليس بالشيء الهام الذي يقضي الإنسان أيامه تحسبا لانقلابه,المغربي لا يهمه ما سيقع في الغد أو ماذا سيصنع في المستقبل ,المهم بالنسبة إليه ان يعيش يومه في راحة وأمان وأن لا يشغل باله بالغد البعيد,فالتلميذ المغرب لا ينسى أبدا مثال"لي بغا ينجح العام طويل" ,والعامل والموظف لا يغفل عن مثال"لا زربا على صلاح" ,ولكي لا تموت مبكرا تذكر دائما مثال "لي زربوا ماتوا",ترى أين هو المنطق في كل هذه الأمثلة التي يرددها الكل ويعمل بها اللشعور الجمعي عند الكل ؟ إنها ضرب من الجنون نتنفسه جميع ونقتل به زهرة أيامنا فنبخس من قيمة الوقت, فمتى يا ترى سنفهم بأن "لي بغا ينجح العام قصير" ومتى سندرك بأن "الصلاح كيبغي زربا", ومتى سنعلم بأن "ليزربو غيوصلو قبل ".

جميع الدول التي قدست الوقت ولم تقزم شأنه ظهرت نتائج ذلك عليها ,ولعل اليابان هي أول مثال يخطر في بال المرء إزاء هذا الموضوع,إن الثانية في بلاد العجب تلك لا تساويها سنة في بلادنا الأعجب هذه,فنحن لا نخطط لليوم ولا نخطط للغد ننتظر قدومه بدون حيرة أو تساؤل المهم أن نظل على قيد الحياة,هذا الفرق في التعامل مع الوقت بيننا وبينهم هو الذي يحدث هذا الشق التنموي الواسع بيننا وبينهم أيضا .

إن ما قدمناه بخصوص "المرأة" والتعامل مع "الأخر" و"الوقت" في الثقافة الشعبية المغربية السلبية لا يعد إلا غيضا من فيض ,ويبقى المشكل الأكبر أنه بالرغم من الجوانب الإيجابية العديدة في هذه الثقافة إلا أننا أكثر تأثرا بالسلبية منها وذلك يرجع للعديد من العوامل النفسية منها والاجتماعية,التي ينبغي أن تدرس جيدا لتصحيح هذا الاعوجاج نظرا للنتائج الكارثية التي تنجم عنه :تحقير المرأة واضطهادها,النفور من الأخر وعدم التعامل معه أو تقديم يد المساعدة إليه في شتى الظروف والأحوال,التساهل في التعامل مع الوقت وتجاهل معنى التخطيط للمستقبل القريب,هي بالتالي تضرب الحياة الاجتماعية من جميع الجوانب ,فل نعمل إذا من أجل هذا التصحيح.