إنها الفكرة المسمومة التي زرعنها في عروق تلامذتنا وجعلنها حبل مشنقة معلقا على بعد اثني عشرة من الدراسة, فحملنا الشهادة وزرها ووزرا أكبر من وزرها, وأضحت عند التلاميذ حبل النجاة الوحيد أمامهم, فلا حياة لم لا باكالوريا له, كما لو أن كل من حولنا كتب لهم النصر في دربهم بسبب شهادة البكالوريا, وأن كل فاشل يرتمي بين الأزقة كان فشله بذريعة عدم الحصول على هذه الشهادة السحرية, قدسنا البكالوريا وجعلنها هاجسا يعمي عيون التلاميذ خاصة منهم من اقترب يوم حسابهم, فكان ما كان منهم, من اكتأب قبل الامتحان وأغلق على نفسه الساعات الطوال مع فكرة لا حياة بدون بكالوريا ,أو أن ينتحر بعد ظهور النتيجة بثوان, هربا من تعليقات قاسية ستأتي لا محال.

كيف نعلق حياة إنسان على ورقة لا تساوي ذلك ؟ ليس العلم والرقي بالفعل الخاطئ لكن الخطأ بالفعل أن نقزم حياة البشر وأن نحبسهم في كوابيس الليل والنهار مع شبح "لا حياة لمن لا بكالوريا له", لا تنتهي الحياة عند شهادة كيفما كانت , وليس عل التلميذ بالضرورة أن يسير وفق ذلك المسار الذي في الغالب مرسوم له من قبل الأهل والأقرباء, ربما كانت قدراته تصب في نوع أخر من التعلم والتكوين, لكن لا حياة لمن تنادي فها هو الأب يتوعد بالوعيد القاطع على إنهاء حياة ابنه في حالة الرسوب, وها هو المجتمع بكل مكوناته لا يرحم من لا بكالوريا له, وها هو سوق الشغل يغلق أبوابه أمام التلميذ.فكيف لا يقوم هذا التلميذ باستعمال جميع الوسائل والأساليب الشرعية وغير الشرعية للحصول على البكالوريا ,ولا عجب أن يخترع هؤلاء كل سنة تقنية جديدة للغش تظهر ماذا إمكانيتهم على الابتكار والإبداع إلا أن هذه الطاقات لم يتم استغلالها بالشكل الإيجابي من طرف المنظومة التعليمية فجاءت النتائج عكسية.

إن شهادة البكالوريا ليست قصر الفردوس الأعلى, بل هي خطوة فقط من بين مئات الخطوات التي يستوجب على التلاميذ المرور بها, فلا هي الأولى ولا هي الأخيرة ولا عندها تبتدأ الحياة أو تنتهي, فلماذا يا ترى نحولها إلى سبب حقيقي في مجموعة من الاضطرابات النفسية لدى فئة اجتماعية هي دون ذلك تعيش مرحلة انتقالية من المراهقة إلى الشباب تتسم بمجموعة من الضغوطات النفسية.

إن غرضنا من هذا الطرح ليس تبخيس قيمة الشهادة المعرفية ولا الدعوة إلى التكاسل الدراسي والتهاون في الاستعداد للامتحان, إن غايتنا زعزعة فكرة عشعشت في أذهاننا من كبيرنا إلى صغيرنا, وهي جعل الحياة نقطة واحدة, ليس فقط في الدراسة فكل شيء يقبل التجديد والإصلاح وكل منفذ غلق في وجهك كان الهدف منه إحساسك بوجود أبواب أخرى لم تكن تراها .إن المثابرة والعمل الجاد سمة الحياة الناجحة ’ثابر أيها التلميذ قبل البكالوريا وفي البكالوريا وبعد البكالوريا ,ثابر إن سرت وفق المسار المرسوم, ثابر وإن تغيرت حياتك لأمر لم يكن مرجو .

أما أنتم أيها الأباء فكفا عن تعويض فشلكم في حياة أبنائكم برسمها كما يبدو لكم أفضل, كفى من تخطيط وتدبير دونما سؤال الأبناء عن طموحاتهم, كفا من خلق حياة لأبنائكم بأحلامكم وطمس لأحلامهم, راعوا قدراتهم, ضعوا أمام أعينكم رغباتهم وميولاتهم المهنية ,وبدل استعمال الوعيد والتهديد استعملوا التشجيع والترغيب.

أما أنت أيها المجتمع فكفى من تعليقاتك القاسية وتحميل التلميذ ما لا طاقة له به ,افتح أبوابك أمامه وأعنه على الاندماج في الحياة اليومية والعملية, لا بد من خلق فرص أخرى للتلاميذ الذين لم ينجحوا في الحصول على شهادة البكالوريا لكي لا يضيع شباب بعمر الزهرة وبطاقات بالجملة في بحر الانحراف لأنه لم يستطع الاندماج في الحياة .

أما على مستوى المنظومة التعليمية فلا بد من إعادة النظر في المناهج الدراسية التي لا تحاكي واقع التلميذ وحياته اليومية, مناهج ممتلئة على الأخر, لكن هذا الامتلاء ظل في في الأوراق ولم ينتقل إلى عقل التلميذ, عددنا المواد والفصول لكننا عجزنا بذلك التلميذ وجعلناه غير قادر على استيعاب كل ذلك الكم الكبير من الدروس ,فلا بد من مراجعة المناهج واعتماد الكيفي فيها أكثر من الكمي, وتعليم التلميذ الفهم بدل الحفظ وترك المجال له مفتوحا من أجل حل المشكلات والتعامل مع الحالات, لابد من فتح الباب أمام التلميذ لتفجير طاقاته الموجودة داخله وهذا لن يتم بمقررات دراسية لا تراعي هذا الجانب .كما لا بد من تحسين طريقة التوجيه والابتعاد عن الطرق التقليدية الفارغة من التوجيه بمعناه الحقيقي .

وأخيرا لا بد من اعتبار البكالوريا مرحلة من مراحل العمر وليس العمر كله, وإن كنا نحتفل بالحاصل على الشهادة ,فلا ينبغي أن نغفل الراسب بل يجب أن نساعده على استدراك ما ضاع ومساعدته على الاندماج في المجتمع.