جميل أن يقول وزير الصحة إنه لن يغفر لنفسه لو أصيب مواطن مغربي بفيروس إيبولا.
والأجمل سيكون لو أخبرنا السيد وزير الصحة عن أسباب فشله في إقناع المختبر الأمريكي «جلايد» الذي اخترع دواء «سوفالدي» الفعال في مكافحة فيروس الالتهاب الكبدي، بوضع المغرب ضمن لائحة الدول التي ستستفيد من النسخة الجنيسة من هذا الدواء الذي تكلف الحبة الواحدة منه ألف دولار، والكلفة الإجمالية للعلاج الذي يدوم ثلاثة أسابيع 85 ألف دولار.
وكما لا يخفى على السيد الوزير، فإن عدد المغاربة المصابين بفيروس الالتهاب الكبدي يصل إلى حوالي ثلاثة ملايين، لا يتعدى عدد الذين تشملهم التغطية الصحية لهذا المرض عشرة في المائة، بمعنى أن تسعين في المائة المتبقية تقتطع تكاليف علاجها من مصاريف خبزها اليومي.
المشكلة أن مرضى فيروس الالتهاب الكبدي لا يطالبون وزارة الصحة بشراء هذا الدواء الذي سيكلف صندوق «الكنوبس» في حالة اعتماده، 250 مليونا لكل مريض، بل يطلبون فقط شرحا لقرار رفع سعر دواء «SEBIVO 600 mg» الذي يتعالجون به.
ففي الوقت الذي كان السيد وزير الصحة الحسين الوردي يزف خبر تخفيض أسعار الأدوية للمغاربة، عبر جولته التفقدية لعدد من الصيدليات أمام عدسات القنوات المغربية، صدم مرضى التهاب الكبد الفيروسي، وهو مرض مزمن ومكلف ماديا كما يعلم الجميع، بخبر الزيادة في ثمن الدواء الأساسي الذي أَلِفوا اقتطاع ثمنه من مصاريف بيوتهم وواجباتهم تجاه الزوجة والأولاد والآباء متم كل شهر.
فقد تم تمرير زيادة 249 درهما كاملة في ثمن دواء «SEBIVO 600 mg»، وهي الزيادة التي مرت «حسي مسي» ولم تصل أصداؤها إلى وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمكتوبة.
وقد سبق للمرضى أن طرقوا كل الأبواب قبل حوالي السنتين، من أجل إيصال صوتهم حول تعمد عدم إدراج هذا الدواء ضمن لائحة الأدوية القابلة للتعويض من طرف صناديق الضمان الاجتماعي والتغطية الصحية، والكارثة أن العديد من المنابر الإعلامية تفادت سابقا الدفاع عن قضيتهم مخافة أن يكونوا أصواتا مأجورة للمختبر المصنع لهذا الدواء، والراغب في إدراجه ضمن الأدوية القابلة للتعويض حتى يلقى إقبال مرضى التهاب الكبد الفيروسي.
واليوم نتساءل مع هؤلاء المرضى عن السبب الكامن وراء زيادة مختبر(NOVARTIS)  الرفع من ثمن هذا الدواء، عوض تخفيضه لينتقل من 1782,60 درهما لكي يصبح اليوم  2031,00  درهما.
ولعل الفشل الحقيقي لوزير الصحة ليس هو فشله في إجبار مصنعي هذا الدواء على الإبقاء على سعر عقاقيرهم المضادة للالتهاب الكبدي مستقرة، ولكن فشله في وضع المغرب في قائمة الدول المستفيدة من تصنيع نسخة جنيسة لدواء المختبر الأمريكي الذي يقضي على فيروس الالتهاب الكبدي نهائيا خلال ثلاثة أسابيع من العلاج.
هناك مغربيان من أصل ثلاثة يجهلون كل شيء عن مرض التهاب الكبد الفيروسي، وستة مغاربة من أصل عشرة يسلمون أكبادهم لمخالب الفيروس بسبب الفقر. القلة القليلة من المحظوظين الذين لديهم تغطية يتعالجون، أما مئات الآلاف، أولئك الذين يتطوعون في حملات التحاليل المجانية التي تعرضها شركات ومختبرات الأدوية، وبالصدفة يكتشفون أن أكبادهم مصابة، فليس أمامهم سوى أن يرفعوا أكفهم بالدعاء لكي يرق قلب وزارة الصحة وتفكر لهم في علاج مجاني يحفظهم لأبنائهم ولوطنهم.
لعل الحالة الصحية بالمغرب هي ما يجب أن تدعو وزير الصحة لأن لا يغفر لنفسه كونه وزيرا للصحة في بلد يشكو فيه الجميع من «قلة الصحة».
إن ما نسمعه ونراه كل يوم حول مريض يأكل النمل جروحه، وآخر يتساقط لحمه، ومستشفيات تجبر هؤلاء على مغادرتها وترفض استقبالهم، يدعو فعلا إلى الخوف.
وربما يجهل كثيرون منكم أن السبب الأول للوفاة في المغرب ليس هو السيدا، وإنما أمراض القلب. وبالنسبة إلى النساء فالوفاة بسبب القلب تأتي قبل الوفاة بسبب سرطان الثدي، عكس ما هو شائع.
كل سنة لدينا في المغرب 30 ألف حالة سل جديدة تنضاف إلى الحالات السابقة. والمغرب إحدى الدول القليلة في العالم التي تعرف عودة «مظفرة» لداء السل القاتل. ومع ذلك لم تفكر أية جهة إعلامية رسمية بتنظيم «تيليطون» لجمع التبرعات بغاية تمويل برامج للتوعية والوقاية والعلاج من هذا الداء الفتاك كما يفعلون مع السيدا.
وكل سنة يسجل المغرب 40 ألف حالة سرطان جديدة، وكل سنة ينضاف إلى طابور مرضى القصور الكلوي 4000 مريض جديد، 20 في المائة منهم فقط يخضعون للعلاج.
والجميع يعرف أن تكاليف علاج مرض التهاب الكبد الفيروسي تبقى إحدى أكثر التكاليف ارتفاعا. وهكذا يموت الآلاف من المغاربة سنويا بسبب عدم قدرتهم على تحمل مصاريف العلاج. وإذا كانت بعض المؤسسات الرسمية والخاصة «تتبرع» على موظفيها ومستخدميها بالتحاليل المجانية لاكتشاف هذا المرض، فإنهم في حالة اكتشافه يكونون مجبرين على التعامل مع المختبر الوحيد بالدار البيضاء الذي يحتكر إنتاج وبيع الأدوية لمرضى التهاب الكبد الفيروسي، والذي يمكن أن تصل تكاليف العلاج الشهرية معه إلى 7000 درهم حتى نهاية فترة العلاج التي تمتد إلى ستة أشهر.
وبما أن شركات إنتاج الأدوية العالمية تبحث عن المرضى بالفتيلة والقنديل لكي تبيعهم دواءها، فقد قررت هذه الشركة ألا تنتظر اكتشاف المغاربة لإصابتهم بأنفسهم، فهي تعرف أنها لو عولت على ذلك لأغلقت أبوابها وأعلنت إفلاسها، فالمغاربة يتعايشون مع أمراضهم بدون علمهم ويموتون أحيانا دون أن يعرف أحد بماذا ماتوا. وكل ما يخسرونه على بعضهم البعض هو «كان ما عليه ما بيه، كان واقف حتى طاح». ولذلك قررت هذه الشركة العملاقة أن «تتبرع» على موظفي الشركات والإدارات المغربية الذين لديهم تغطية صحية، بتحاليل مجانية بحثا عن «زبائن» جدد بينهم تستطيع أن تبيعهم دواءها الباهظ.
لذلك ألا تعتقدون أن التحاليل المجانية التي تكلف بعض شركات الأدوية العالمية الجمعيات التي تمولها بالقيام بها بحثا عن بعض الأمراض في دمائكم، هي في الواقع ليست من أجل سواد عيونكم بل من أجل سواد جيوبكم.
أما حكاية بعض الجمعيات التي «تناضل» إلى جانب بعض المصابين بالأمراض المزمنة في المغرب، فتلك قصة أخرى. فتجارة المرض معروفة عالميا بكونها التجارة الأكثر ضخا للأموال، وصناعة الدواء والتحكم في تجارته، وأحيانا خلق زبائنه، كلها أساليب تجارية يحكمها منطق الربح والخسارة أكثر مما يحكمها أحيانا منطق الأخلاق.
نحن محتاجون في المغرب إلى برامج مثل «سيداكسيون» لجمع التبرعات من أجل مكافحة مرض خطير وفتاك كالسيدا، لكننا محتاجون أكثر إلى برامج من أجل جمع التبرعات لضحايا أمراض القلب والسل والسرطان والسكري والقصور الكلوي والتهاب الكبد الفيروسي. لأن مصير 2000 مريض بالسيدا، و30 ألف حامل للفيروس، ليس أقل أهمية من مصير الملايين من المغاربة المصابين بأمراض تقتل بأعداد أكثر وبسرعة أكبر مما تفعل السيدا.
هذا طبعا، «إلى عندكم شي كبدة» على المغاربة.