بعض الناس عندهم إلمام بأمور الدنيا، لهم أفكار وآراء وقد يصيبون في أقوال وأفعال. لكنني مختلفة متفردة! لست كاي واحدٍ منهم! عندي حلولُ كل المشكلات ومفاتيحُ السعادة. أفكاري متجددة لا تخطر لغيري. حروفي وحركاتي وإشاراتي وقراراتي كلها خبرةٌ وتعقُّلٌ واتزان. حصتي من الذكاء والحكمة والبصيرة أكبر وأوفر.

ذلك التصور أوحيه لمن حولي إن كررتُ استيائي من كل من يراجعني في آرائي وتصرفاتي وقراراتي. ذلك هو لسان حالي إن أكثرتُ العتاب والردع لكل مذكِّر وناصح، واعتدت على السخرية ممن يناقشني مهما أتى بعلم وحجة ودليل. إن كنت لا أقبل أي تنبيه لخطأ في كلامي ولهفوة في أفعالي ولا أدع متكلمًا إلا قاطعتُه، وأصررت على تحقيق رغباتي وحدي، ولا أترك أحدًا يتصرف في أمر مشترك إلا وسببته  ورددت عليه، فأنا أعلن عصمتي! وإن أنكرتُ هذا زدتُ على إعلان العصمة إعلان الغفلة! من أكون بذلك من سيد الناس الذي كان يستشير ويسمع ويقبل برحابة صدر ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟ بل إنَّ ربنا ـ جلّ جلاله ـ تكلم مع ملائكته ورسلهم وما منعهم الاستفسارَ والتعبير. وعالم اليوم تعددت وجوهه وتكاثرت تخصصاته وزادت مزالقه، فلا يطيق عاقل واعٍ مؤدب أن يدّعي الإلمام بكل ما حوله دون حاجة لغيره.

ما أشد جهل الإنسان وحمقه حين يدّعي كمال الحكمة وسلامة التصرف ويُقصي كل من حوله، ولا يحتمل كلام أحد،ويستكبراستكبارًا! حالٌ عجيب مؤلم ومضحك معًا، فالاستكبار لا يأتي إلا من صغير والتعالي لا يكون إلا من ناقص. والساكتون عن مثل هذا، قريبًا كان أم بعيدًا، التاركون له في وهمه لا يزيدون رؤيته إلا ضيقًا وبعدًا عن الواقع والصواب، فيسيؤون ويقعون في حكم الساكت عن الحق الموصوف بأنه شيطان أخرس، ناهيك عمن يؤيد بظاهر المحاباة فيزيد الأعمى ضلالًا. يتعلم المرؤ ممن هلكوا على مر التاريخ، ما أكثرهم وما أتفه ما كانوا عليه وما أسوأ ما انتهوا إليه هم ومن سايرهم على حال “أنا”.

من كان حلم ليله ونهاره حروف “أنا” فليعلم انها تُقرأ من أي طرف نفس القراءة، وأنه مثلها: إدباره كإقباله! وختامه آخر آية في دستورنا العظيم: “من الجنة والناس”.