''السجن مرآة لمن لا مرآة له'' ارام كرابيت

إن من واجب الذاكرة هو حفظ الماضي من النسيان، والاستجابة للطلب الإجتماعي على التاريخ، فالإعتقال السياسي الأمازيغي في أمس الحاجة إلى دراسة قانونية حقوقية وسياسية، للوقوف على الخلفيات الحقيقية لهذا الإعتقال ، ودراسة علمية سوسيولوجية تكشف آلياته المباشرة والخفية، لتشريح هذه التجربة الأليمة في تجلياتها السلوكية النفسية لكشف مخلفاتها التدميرية.

كانت إعتقالات 2007 استخباراتية بامتياز، وهو الوجه الخفي لهذه الإعتقالات: معصوبي العينين، مكبلي اليدين... حيث لا نميز إلا بين الأصوات أمام هول التعذيب ، الذي يعتبر في الأساس مسألة سياسية حسب "فوكو"، فالمخابرات والبوليس السياسي في مهمة وضع الحركة الثقافية الأمازيغية في المجهر وثوابت الدولة ، فهل تشكل القضية الأمازيغية خطرا على المؤسسة الملكية؟؟؟ هل تهدد كيان الدولة؟؟؟ومن باب التأمل والموضوعية، لماذا الإعتقال يطال الفئة المناضلة : اعتقالات 94، أحداث 2007 ، اعتقالات إميضر...؟؟؟

لماذا يتم تسليط التجريم على القناعات الفكرية والسياسية ؟؟؟كيف يتم تحويل مناضل إلى عنصر خطير أو عدو يهدد أمن الدولة أو المجتمع بتلفيق تهم تقع تحت طائلة القانون الجنائي لتبرير الإعتقال والتصرف في كيان المعتقل بدون روادع أو حدود؟؟؟

إنه إحساس بالغبن والاحتقان والغضب والألم في شكل انفجار ; انفعالات متضاربة تختلط فيها مجموعة من الأسئلة وحده التاريخ كفيل بالإجابة عنها.

مما لا شك فيه أن الإعتقال السياسي الأمازيغي نابع من نظام سياسي استبدادي ظالم، وسلطة عدوة طاغية غير مشروعة، هدفها تسويغ الهزيمة بمبررات تغذيها جوقة أبواق السلطات المخزنية، ويتم إفضاغها بدلالة الواجب، ووضعه على رصيد الدفاع على قضايا سياسية من قبيل "الملكية، الوحدة الوطنية " والتي لا يجوز أن تهدد من طرف أي حركة أو تنظيم كيفما كان.

إن الهدف الأساسي من الإعتقال هو إزالة كل العقبات بسطوة الإستبداد الثقافي، السياسي، الإقتصادي ... وإخراج الفئة المناضلة من الساحة والميدان، التي تزعج السلطة لتعطي أمثلة لردع كل من سولت له نفسه الخروج عنها أوإثارة غضبها. فبالإضافة إلى تدجين المعتقل خصوصا في شكله السلوكي، و خرق واغتصاب القوانين والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان فما يجب طرحه بصرامة وبكل دقة ليس فقط مجرد الإعتداء على الحقوق، بل الإعتقال من زاوية حساسة، فالأمر لا يقتصر على التخويف والردع في غايته الجوهرية، بل هو عملية تدمير كيان إنسان، من حيث العجز الفعلي والتصدع النفسي، في استعمال أساليب جديدة وخفية، التي تنال من التوازن النفسي و تدميره للتحكم في السلوك وتغييره وانهيار الرباط الإنساني، الذي يتجاوز في جذريته حقوق الإنسان، فالإعتقال هو الإعتداء على الهوية الذاتية.

الحقيقة أن الإعتقال السياسي هو الضريبة الغالية التي نؤديها على قناعاتنا الفكرية، وقضيتنا الأمازيغية المشروعة. فألم الإعتقال كفاح من أجل القيمة والإعتبار والدلالة الأمازيغية: إنسان، قيم، لغة، ثقافة و هوية. فإتلاف زهرة العمر بين القضبان ثمن باهض، وهو ما يعطي لنا الحق المشروع في صياغة أسئلة استنكارية على كل هذه العشر سنوات من الإعتقال السياسي : من استفاد من الوضع ؟؟؟ أي تقييم للحصيلة النضالية ؟؟؟

إن ما يمكن الجزم به، ونحن مغمضي العينين، أن الخاسر الأول هو نحن، فالأمازيغية لم تحصد سوى التهميش و الإقصاء، حركة أمازيغية رافقت الإنتظارات والهزائم التي تتفاقم يوما بعد يوم، فشل كل المشاريع والطموحات النضالية، التضحيات التي ألقيت في الهامش لتتلاشى الأحلام و تسفه القضية ، وأصبحنا غرباء داخل بيتنا. وحتى لا نكون عدميين في انعدام الحصيلة لهذه الإعتقالات السياسية، فهي تؤسس رهانا للحركة الأمازيغية لتعبئة كل الطاقات الفكرية السياسية للقضاء على مأزق الحاضر، وإزالة الفراغ وتلاشي الهوة الداخلية أفرادا و جماعة.

إن الإنتماء الراسخ الأمازيغي، والإلتزام بالقضية دلالة على التضحية والإيمان بمشروعيتها، ذلك أن هناك ثمن يجب أن يدفع من أجلها، فالقضية الأمازيغية تتجاوز الكيان الذاتي وتضفي على الوجود معنى يتجاوز الواقع المادي في تحدياته، فالحركة الأمازيغية أكبر قوة حقيقية للتغيير ، ومن مقوماتنا الصمود ورفض الاتهام وإدانة الإعتقال السياسي، وليس من المقبول اليوم الإعتذار و تقديم تبريرات لرفقاء الأمس، بل القيام بالواجب المفروض أمام هول وجبروت السلطة.