ذ محسن الأكرمين

اليوم في الحلقة الخامسة من توصيفنا للانتخابات المغربية ل 07 من اكتوبر 2016 . نستنجد العون من المنهج التاريخي ، في أفق استحضار أدلة روح الماضي وتقليبها وتقويمها حسب مطلب الحاجة إليها. لكن ما الغاية بالتنقيب في أحداث وقعت في الماضي بزمن يمتد ما بعد تاريخ الاستقلال (1956)؟  .

سؤال لن يشوش عن مقصد منهجنا من حيث أننا سنرصد مجموعة من العناصر المفككة و المركبة ، ومناقشتها و تفسيرها ، ثم بعد ذلك استخدام أنساق أثرها في تقابلات المشكلات السياسية الحاضرة والمستقبلية . كل هذا يتم على أساس خلق تفاعلات متحركة بين الأزمة السياسية المغربية الماضية ، وامتداد تأثيرها المجرور بالحروف المعتلة إلى الحاضر . إنها الوقائع والحقائق التي ستكشف نطق الأبكم وتساعد في فهم الحاضر الانتخابي المغربي ضمن حوض الإستمرارية ، والتميز بالإستقرار.

المشكلة، اليوم لن نحتاج فيها إلى تدقيق بمعطيات رصد التحليل العلمي  ، وإنما إلى وصف استدلالي بسيط  لأنه المسلك  السهل القادر على تقريب الفهم وضبط التشعبات المتراكمة حتى ولو تم الاختلاف في استصدار النتائج وتوزيعها على الفجوات المعرقلة للإصلاح السياسي المغربي .

إنها التوالد غير السوي لمشاكل الأحزاب السياسية المغربية منذ الإعلان الرسمي على امتلاك المغرب  وثيقة الاستقلال إلى حدود انتخابات 07 من أكتوبر 2016. اليوم السؤال بسيط لكن مكره لا يغري أي باحث في طرحه للنقاش والتجاذب السياسي، إنه سؤال لخلخلة الفكر السياسي المغربي وتضمين النتائج الموثوق بها ضمن خانة إصلاح وتجديد الفكر السياسي .

سؤالنا، هل أصبحت الأحزاب السياسية المغربية تشكل مشكلة مستعصية الحل ، وتنضم إلى كل المشكلات العالقة بصدر الدولة ؟  . فإذا ما فتشنا في الماضي (ما بعد الاستقلال 1956) يكون الأسناد القوي في ضبط الوضعيته المشكلة جوابه بنعم ، لأن العلاقة بيت القصر والأحزاب لم تكن على الدوام المطلق موضع ثقة متبادلة ، هنا سيتم الكشف عن قلاع ماضي الأحزاب الوطنية بمنطلق الشد على مفهوم الثورة والتغيير ، نقف كذلك عن لعبة تفقيس أحزاب إدارية بمتسع الأهداف والخطوط الحمراء وحصص المهام المكفولة إليها في كل مرحلة .  نستنج  إذا ،  أن الوطن ضيع نصف قرن من التنمية في تجاذب سياسي بوليميكي عقيم،  شده  إلى الخلف والتخندق بقوة لكل الأطراف المعنية بالصراع . هنا ستفتح الأفواه بالنقد وبسط اللوم على كافة المكونات التي لم تستطع أن تخلق توافقا حول مشروع مجتمعي سياسي يحفظ الكرامة والعدل والحرية ويوزع الأدوار بالديمقراطية الفتية بالمملكة .

لن يقف التحليل عند قفا نبكي من ذكرى ماض أولته الدولة عناية خاصة ، عناية تجسدت في العديد من الإجراءات والخطوات الهادفة إلى مصالحة المغاربة مع تاريخهم، وتسوية ما شابه من تجاوزات وانتهاكات بغاية تأمين المستقبل، عبر جبر الضرر، ورد الاعتبار للضحايا، وإرساء الضمانات الكفيلة بالوقاية والحماية من عدم تكرار اختلالات الماضي ، إنه العمل الفعلي المضيء لهيئة الإنصاف والمصالحة بالمغرب .

الدولة اعترفت علانية بأخطاء الماضي و كفرت عنه دستوريا وماديا ، فلما الأحزاب السياسية المغربية لم تقتف منهج الدولة في المصالحة وتعترف بأخطاء الماضي ؟ لما الأحزاب لم تقم بأية خطوة لتصالحها مع الذات الحزبية الداخلية ، ومع عموم المواطنين ؟ . مصالحة يجب أن تكون مدوية ،  تتجاوز كل الأخطاء القاتلة التي جعلت من السياسة حقلا خصبا لتنمية الفساد واقتصاد الريع . مصالحة تدعو إلى التخلي عن التبعية الفكرية والمذهبية  البئيسة التي جرت البلاد إلى متاهات من شد الحبل وإنشاء السجون بدل التنمية المستديمة الجماعية . مصالحة تكفر عن جميع الأخطاء التي ركبها أشباه سياسيو الوطن (كرها أو طوعا) عبر أجنحة إنشاء أحزاب إدارية حكمت العباد والبلاد صوريا .

نعم، أصبحت الأحزاب السياسية المغربية مشكلة،  تزداد مشاكلها الداخلية تفاقما أمام جل المواطنين ، فهي تعري عن صراعاتها الداخلية والخارجية إلى حد السفالة، ويتم  اختزال الصراع السياسي بالتنابز بالألفاظ الرديئة . هنا يحق لنا القول بأن الأحزاب تركت مهمتها الأصلية من تعريف السياسة كفن لإدارة الاختلاف إلى موضع لإثارة الضغائن والتناحر الحزبي الرديء والعبث بالخطاب السياسي الإنتهازي . أحزاب تنتقد التحكم كوضعية إصلاحية انتقالية وتمارس التحكم على الأمة بفرض خيارات وسياسات لاشعبية . هي ذي الأحزاب النمذجة التي لا هم لها إلا احتلال مواقع الحكم والأغلبية ، ولو بإنشاء تحالفات هجينة والتحكم في رقاب العباد والبلاد بالقهر السلطوي .

من المألوف العرفي، أن الأحزاب المغربية هي أحزاب برامج نظرية تسحبها من رفوف الأرشيف فقط عند بداية موسم الجذبة الانتخابية ، برامج إن سألت عنها  لن تجد عنها إجابة مقنعة ، بل يمكن ان تلحظ أنها مستنسخة في عموم عناصرها المكونة ،  لما الدفع إلى الأمام بأن البرامج الانتخابية كلها مستنسخة بين الأحزاب بالتقاسم وهو التوافق الوحيد بينهم ، لما الأحزاب ترشح الأعيان ورجال الأعمال المتنفذين ؟ ، لأنها أصلا لا تشتغل البتة بالبرنامج الانتخابي بل بالوجوه الوجيهة والمليحة  للدفع المالي و السيطرة القسرية على فكر وأيدي اختيارات الطبقة الناخبة.

للوطن أولويات موضوعية في ظل متابعة الإصلاح ضمن حوض الاستمرارية، للمواطن المغربي مشكلاته العويصة مع الإدارة ،مع المدرسة، مع الصحة، مع العمل، مع السكن ....، للمواطن طموح أمل في الكرامة و العدل والحرية وأخلاق العناية التامة، فلما الآن  أدارت الأحزاب السياسية ظهرها عن مشاكل الشعب وأصبحت تنهش بعضها البعض في سبيل ضبط أغلبية حاكمة ؟  لما أصبح الصراع بين الأحزاب من أولويات المواطنين كذلك وبه تدار النقاشات الجماعية الداخلية و المفتوحة ، في حين تغيب مشكلة مناظرة التنمية و الحكامة !، فهل هي الحرية توسع من طاقاتها الاستيعابية للاختلاف السياسي ؟ فهل هي الديمقراطية المغربية تشهد بالتوالي أن المتحول- (بمعنى المتغير)-  هي الأحزاب السياسية ؟ هل هي رجة مفهوم بناء الشرق الأوسط الجديد يصلنا ظله ونحن بمغربه الأقصى ؟ هل انتقل التجاذب بين القصر والأحزاب في الماضي إلى بروز أحزاب تبحث عن ود القصر ؟  هل ضاعت كل آمل الشعب المغربي في التغيير الإيجابي  إلى تغيير يخدم وجهاء لوائح الإنتخابات وصقور الأحزاب السياسية ؟ هل الانتخابات ما هي لعبة سياسية تلهي المواطن بمشاكل الأحزاب وتحجب مشاكله العامة ؟ .

نرجع إلى المنهج التاريخي ونعلن إصدار حكم ذي  قيمة نوعي  يكشف أن الفعل السياسي المغربي في الماضي - (أي ما بعد الاستقلال 1956) - حملته الأحزاب السياسية الوطنية كهم جماعي يهدف لخدمة حاجيات عموم الوطن ، فيما الآن أصبح المواطن البسيط  في خانة غير المفكر فيه ، فيما المفكر فيه بقوة الوجود هي احتلال المناصب وامتلاك زمام السلطة وقيادة دفة الحكم .

إنه التحول الأعور الذي ميع الفعل السياسي المغربي  ووشمه بفساد رائحة المستنقع ، إنها البوصلة التي وحدت كل المغاربة في ضياع الثقة بكل السياسيين ولو بتنوع  تشكيلاتهم الحزبية .

ختم القول،  أن التفكير السياسي  للأحزاب المغربية يجب أن يغير دفة أولوياته من الصراع حزب / حزب حول المناصب و الإستوزار إلى التعاطي مع كرة ثلج مشاكل الشعب المغيبة بالتمام .  القول الحسم في أن تستفيق الفئة المصوتة  وتحاسب بالمساءلة كل المنتخبين ولو بتوقيع عريضة لفتح ملفات الفساد  . فليكن الوطن أولا ، وليس إلا الوطن هي ذي التيمة الضائعة عند كوادر أحزابنا السياسية التي  تتموضع ضمن نقطة ختم بوابة الانتهازية. (يتبع )