سليمان محمود - تنغير / جديد أنفو
يوم 26 مارس الماضي، زرنا ‘‘المطرَح البلدي’’ للنفايات الذي لا يفصله عن حيِّ تماسينت سوى بضع متراتٍ، ولا يفصلُه عن مركز مدينة تنغير عبر الطريق الرئيسية سوى قرابة 3 كلمترات. ويوم 04 أبريل الجاري زرناه مرة أخرى مع طاقم القناة الأمازيغية في إطار إعداد القناة لبرنامج حول الصحة.
وفي زيارتنا الأولى التي كان هدفُها تعميق البحث في موضوع ‘‘تدبير النفايات الطبية بتنغير’’ في إطار تحقيق صحفي فتحتُ ملفَّه، صُدمتُ، رفقةَ زملائي في الفريق، بهول الكارثة البيئة التي تتهدد الإنسانَ والمجال..
نفايات ممتدةٌ على طول قرابة كيلومترين بدون أي سياج ولا سور يحمي الأحياء المجاورة مما تحمله الرياح من الأزبال...
نفاياتٌ لا يتمُّ ولو حرقها للتخفيف من تطايرها في السماء، ولا تدبيرها بشكل مُقنَّنٍ بتصنيفها وإعادة تصنيعها...
أغنام ومعزٌ للرُّحَّل تقتاتُ من تلكَ النفاياتِ، دون أن تُميِّزَ بين النفايات المنزلية ولا الكيماوية ولا الطبيةِ...
وما أثار استغرابي أكثرَ، هو تلك النفايات الطبيةُ الملقيةُ وسطَ النفايات المنزلية. ولكي لا يكون استغرابي عاطفياً أضع بين أيديكم هذه المواد القانونية من المرسوم رقم 2/09/139 تطبيقا للمادتين 38 و40 من القانون 28/00:
1. «تفرز النقابات الطبية والصيدلة حين إنتاجها حسب أصنافها، وتوضع في أكياس بلاستيكية أو في أوعية ذات ألوان مختلفة، وذات استعمال وحيد تستجيب للمواصفات الجاري بها العمل (...)» (المادة 6).
2. «يجب ألا يتعدى ملء الأكياس والوعية أكثر من ثلاثة أرباع طاقتها الاستيعابية، ويتعين أن تحمل ملصقة تبين مصدر إنتاج هذه النفايات، وتاريخ إيداعها لأول مرة في الأكياس أو الأوعية وكذا تاريخ ملئها.
بعد ملء الأكياس والأوعية، تختم وتوضع في حاويات منفصلة عن بعضها مخصصة للخزن، وذلك حسب صنف النفايات التي توجد بها.» (المادة 7).
3. يجب أن تكون الحاويات المستعملة لتخزين النفايات من الصنفين 1 و2 صلبة، وغير مسربة للسوائل، وقابلة لامتصاص الرطوبة ومتينة ومقاومة للانكسار والسحق في الظروف العادية لاستعمالها، ومطابقة للمعايير الجاري بها العمل (...).
توضع الحاويات في مكان ملائم للتخزين بعيدا عن الوحدات المنتجة للنفايات. ولا يسمح لولوج هذا المكان إلا الطاقم التابع للوحدة المسؤولة عن تدبير النفايات أو الشخص المؤهل المكلف المنصوص عليهما في المادة 4» (المادة 8)
إلا أنه لا شيءَ من هذا كلِّه يُحتَرَمُ في تنغير، حيث عاينا بالصوتِ والصورة نفايات طبية من الصنف الأول التي هي عبارة عن حقن مُستَعملةٍ وأنابيبَ المصل، وقنيناته (sérome). وكلها ينص القانون 28/00 بصرامة على كيفية تدبيرها، وليس من المقبول ولا من المعقول أن تمتزج بالنفايات المنزلية.
وقد أكَّدَ لنا أحدُ الرُّحَّل الذين يجمعون ويصنفون النفايات، ويعيدون بيعها، أنه ذات يوم كان ينبشُ في الأزبال كعادته كلَّ يوم، مستعملاً رجلَه، فحرَّكَ الأزبال، فأصابته إبرةٌ في رجله، ورغم أنه أحسَّ بوخزها، إلا أنه لم يتألم إلا في منتصف الليل، حين أحسَّ بألم شديد في رجله، وما هي إلا ساعات قليلة بعدَ ذلك حتى انتفخت رجله، وأصيبت بورم استنزفتْ أدويةُ معالجته كلَّ دريهمات جيبه، وبقيت رجله منتفخة لمدة تزيد عن الشهر. مأساة حكاها لنا "حْمادْ" بضجر الخائف من منعه من الاستفادة من الأزبال. وعبَّر عن عدم قدرته من التصريح بذلك أمام الكاميرا، خوفا من طرده من المستفيدين من المطرَح، وكأننا أمام مؤسسة اقتصادية في السوق السوداء.
وفي شهادةٍ أخرى، أكَّدَ لنا واحدٌ من الرُّحَّل الذي طلب عدم ذكر اسمه، دائماً خوفا من منع "كلأ الأزبال" عن غنمه التي أصيبت بالإدمان عليها، أنَّ بعض أغنامه ومعزه نفقتَ (لقيت حتفها) بسبب إبرة من النفايات الطبية، أو تسرب بقايا مصل إلى ما أكلته أغنامه ومعزه.
وما آلمني أكثرَ هو شهادة شخص آخر من الرحَّل المعروفين في إقليم تنغير، حين أخبرنا بقصةِ "إدمان القطيع على الأزبال"، حيث إنه رحل بـأكثر من 400 رأس من الأغنام والمعز إلى منطقة بتزنيت حيث الكلأ والعشب والماء وافرٌ، لكنه عاد بخيبةٍ وخسائرَ لن ينساها، إذ لم يعد إلى موطنه إلا بـ 50 رأس فقط، والسبب، يقول "زايد": «أنَّ قطيعه لا يستسيغ العشب والكلأ».
إنَّ ما يحدث في المطرَح البلدي لتنغير كارثة بيئية بكل ما تحمله الكلمة من معنى ومن ثقلٍ. فلماذا لا تطبق المندوبية الإقليمية للصحة القانون 28/00 في تدبيرها للنفايات؟ وهل هناك استراتيجية لإحداث وحدات خاصة ومختصة لمعالجة هذه النفايات؟ وماذا عن إمكانية عقد اتفاقيات مع مؤسسات خاصة للتدبير المفوَّض لهذه النفايات؟ وكم تبلغ الميزانية المخصصة للنظافة في المستشفى "الإقليمي" بتنغير؟ وما هو معدل الإنتاج السنوي للنفايات الطبية فيه؟
أسئلة طرحتُها على المندوب الإقليمي للصحة مكتوبة منذ أزيد من شهر، ولم أتلقَ أي إجابة عليها. وما أزال، وكل المتتبعين، ننتظر الردَّ عليها.
وغيرها من الأسئلة سأحملها في الأيام المقبلة إلى رئيس بلدية تنغير، وإلى بعض الفاعلين والباحثين في مجال البيئة، لعلني أجد لديهم أجوبة شافية لإشكالات مُمرِضةٍ.