مولود بوفلجة / جديد أنفو

  أشرف شهر الصيام على نهايته و تهيأ الناس لوداعه و تشييعه كل على نهجه و طريقته و على قدر تعبده و إيمانه، فمن الناس من طوى سجاده الذي لازمه و داوم على تأبطه، و منهم من كوى جلابيبه  استعدادا لعيد الفطر.. فالمساجد كما حدثني أحد الزملاء، ظرفا، قد غصت بالمترشحين الأحرار الذين يعتكفون على التعبد طيلة رمضان باعتباره شهر تدارك و استدراك و فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر..الختم يشبه البدء في شريعة ''عبادين رمضان''، كان البدء بإعداد العدة و الأطعمة  كأننا مقبلون على شهر الطعام لا الصيام.. و عند الختم يتكرر مشهد التهافت على المتاجر تأهبا للعيد بالحلوى و القشيب و الجديد  في صورة  تخدير جماعي لا يستثني منها أحد  منا . لتبدأ الشكوى مباشرة بعده من غلاء المعيشة و الأسعار و قرب الدخول المدرسي و مصاريفه و دنو عيد الأضحية و تكاليفه..

   من حسنات الختم أنه  سيكون فرصة للانفلات من الجلسات الليلية التعنيفية و الاستفزازية للتلفزة المغربية، لمن ابتلي بها و بمشاهدتها بحثا عن صورة لهذا الوطن،ليس لأن الهرج و المرج سيتوقف دون رجعة في تلفزتنا ،و إنما لأن الناس سينتشرون في البر و سواحل البحر و سيعمرون المقاهي و الملاهي و المصايف كل على حساب ميوله و على قدر أكبر من طاقته في أغلب الأحوال...و ستتكفل التلفزة بإقامة حصص الدعم و التثبيت بإعادة  ما تفه من البرامج  لتعميم الفائدة و ليتمكن من  مشاهدتها من حرمته منها  صلاة التراويح أو فسحة الترويح الليلية..

   طالعتنا القنوات المغربية في هذه السنة،  كباقي السنوات ، و في أوقات الذروة بكاميراتها المكشوفة لا الخفية و بسيتكوماتها التي  أصبحت حموضتها لا تطاق بتكرار  الوجوه نفسها  والمواضيع ذاتها  و اللغط ذاته عنادا و نكاية فينا .و البرامج الترفيهية الفجة  تحولت إلى ''لعب ديال الدراري الصغار'' لأن كثيرا من الفنانين و مقدمي البرامج تلزمهم سنوات لكي يصبحوا راشدين و حامليين لخلفية مرجعية و أخلاقية تكبح صبيانيتهم..أما الإشهارات التي لا تنتهي فقد أصبحت كلها راقصة مغناة  سواء كانت لدور السكن أو لخرق الأطفال أو النساء... لأن الشعب المغربي في هذه الأيام، بوزرائه و رئيس حكومته، أصبح يهوى الرقص و يشارك فيه بشكل جماعي كوجه آخر من وجوه التشاركية و التحام القمة بالقاعدة .الرقص و سهرات ''عاود دردك او العزيز على القناة عمرو ما يتخص .. '' تجد لنفسها سببا للتواجد بيننا حتى لو انهالت العمارات على رؤوسنا أو أبيدت غزة أو قامت القيامة ...

   أعود إلى الكاميرات المسماة خفية ،كذبا و بهتانا،سواء كانت جارا أو مجرورا أو ضمير غائب قد يكون  واقيلا هو أو هي فالثابت أنها مكشوفة استبدلت فيها الأدوار و  أصبح الضحية و المستهدف بالمقلب هو المتفرج المسكين.

الكاميرات المسماة خفية في المغرب تجيش عددا كبيرا من الممثلين و تؤثث الفضاء وتقيم الحفلات و الأعراس و الجنائز الوهمية  بشكل مفضوح و كاريكاتوري  لا يتناسب إطلاقا مع تفاهة المقلب المفتعل .. الكاميرا في المغرب لم تعد تستهدف عامة الناس في مواقف بسيطة كما هو الحال في القنوات العالمية بل أصبحت متخصصة في دعوة الفنانين و الرياضيين لينخرطوا في لعبة الاستغباء الجماعي لشعب بأكمله.و لو فرضنا جدلا أن هؤلاء الممثلين لم يكونوا في البدء متورطين في التمويه و الكذب على الجمهور فسيكون من الغباء ألا يكتشفوا ذلك بسرعة..

   من حسنات هذه الكاميرات الخفية أنها كشفت طريقة اشتغال جل الفنانين المغاربة و قبولهم لأي عمل دون قراءة للسيناريو و دون معرفة فريق العمل ،فيكفي أن يهاتف الفنان صديقه صباحا لنجده منخرطا في أداء دوره في المساء، فقد كشفوا لنا مشكورين و من حيث لم يحتسبوا  طريقة عملهم و  سبب  ضعف ما يقدمونه عموما .فإذا عرف السبب بطل العجب.

   الكاميرا الخفية تقوم على فكرة بسيطة للترفيه من  خلال الكشف على طبائع الناس و نفسيتهم لقيامها على عنصر العفوية و المفاجأة .أما عندنا نحن فهي كاميرا متربصة و مترصدة بالجمهور و بالمال العام فالحلقة الوحيدة من هذا الهراء بملايين السنتيمات ..والغريب في الأمر أن هذه الكاميرات مستمرة كحال الفساد في البلاد رغم انكشاف أمرها و شهادة شهود من أهلها و متورطين فيها كالممثل ادريس الروخ الذي اعترف بأن الأمر مجرد تمثيل ليس إلا.

   البرامج الساقطة و مسلسلات التمييع التركية و المكسيكية التي تختزل مشاكلنا في العلاقات الغرامية و في تدبير الشركات و الأموال   تكشف  بالملموس ، من جهة ،أن الأمر متعلق بتدمير الرأسمال البشري و بتدمير رصيده الثقافي خصوصا أمام ضعف الصلة بالقراءة أو بوسائط أخرى غير هذا التلفاز و من جهة ثانية أكذوبة الإصلاح التي تبناها الحزب الحاكم الذي لم يستطع تغيير شيء في الإعلام المغربي هو الذي يتعقب المفطرين للمحافظة على حرمة الشهر الكريم دون أن يستطيع تعقب المفسدين و المستغلين و المضاربين الذين يمتصون دماء الفقراء بعد أن امتصت أيام الحر الشديد مياه أجسادهم .

   إن الكاميرا الحقيقة هي المعاناة اليومية  التي يعيشها الشعب المغربي و هو يعاين إخفاقات السياسة و الرياضة و الإعلام و الفن...فما عليكم إلا أن تصوبوا كاميراتكم نحو قبة البرلمان لتصوير اللغط و السباب و الكلام النابي و اللهو بالهواتف و الغرق في النوم أو حولوا  الوجهة إلى الإدارات و مقرات العمل التي خلت من كثير من الموظفين الذين لن يتخلفوا ليلا عن التهجد و قيام الليل  أو حولوها إلى الأسواق التي التهب نار أسعارها  أو إلى محطات النقل لتشاهدوا مظاهر الترميضنة و تقفوا على حياة المغاربة... حينئذ تكون الفرجة معبرة عنا. فمن الظلم أن تصير القنوات العمومية التي تقتات و تعيش بأموال الشعب إلى سوط لجلده ووسيلة لتجهيله و طمس هويته و ثقافته .

    مجرد وجهة نظر و النقاش مفتوح