زايد جرو - جديد انفو

المشهد السياسي بالمغرب يعرف تقلبات  كبيرة في فترات حرجة من التوجهات السياسية العامة، تتحكم في لعبته الأحزاب السياسية، التي لم  تعد تعرف استقرارا داخليا، بل أصبحت تعيش تصدعات هيكلية  عميقة، مما أثر سلبا على الاستقرار السياسي، والمتابعة الدقيقة لشؤون الأمة و للأبعاد التنموية بالمغرب، وأصبحت النفعية الخاصة  هي المتحكمة  في تدبير الشأن السياسي الوطني والجهوي.

وفي ظل هذه النفعية التي أصبحت مكشوفة حتى للبسطاء من الناس أصبح الترحال والتنقل والهجرة من حزب لأخر أمرا مكشوفا وخطيرا  أيضا، ولم يعد مقتصرا على أحزاب المعارضة بل حتى الأحزاب التي تشكل التوافق لم تسلم منه أيضا، ولن تستطيع التعبئة  الشاملة ولا القوانين  العامة الحد منه أو التخفيف منه على الأقل، لِما له من خطورة على الاستقرار السياسي، وقد تتعدد الأسباب التي قد تكون موضوعية كالبيروقراطيية التي يُسَير بها الأمناء أحزابهم، ويرون بأن الحزب  ضيعة، والمتحزبون هم عبيد وعمال داخل هذا التوجه الحزبي،  وما عليهم إلا الطاعة، فلا يقبلون أي نقاش أو مناقشة في الكثير من البنود التي بني عليها الحزب، ولو أنها أصبحت متآكلة ومتجاوزة، وأي معارضة لتوجه الأمين العام أو ممن يحيطون به وغالبا ما يكونون من المقربين الذين يثق فيهم الأمين إما لقرابة أسرية أو عائلية أو صهرية أو زمالة أو  في مشوار دراسي أو تشارك في توجه طلابي أو تجربة سجنية  تُسبب" المعارضة" التصادم ويرفض المتحزب  المنخرط  الفعال أن  يكون بيدقا، فيحدث الانشقاق والتصدع والطلاق. والذي كان الرفيق أو الأخ في الله  بالأمس القريب أصبح العدو الكبير اليوم ، ويمكن أن يكون الترحال ناتج عن قوة متحزب ما بفكره أو توجهه ونفوذه وثقة الناس فيه وتواصله مع الساكنة فيقلب  وينقلب على الأمين وعلى المكتب المسير، ويخطط لتدمير الحزب معية حزب آخر، أو يؤسس حزبا آخر بديلا، ويعطيه تسمية قريبة للتوجه السابق ،والنتيجة التعددية التي لا تخدم التنوع والتنمية  بل تخدم التفكك  في الرؤيا وفي التوجهات.

وقد تكون للترحال أسباب  موضوعية أخرى يمكن حصرها في فقدان الأمة الثقة في الحزب، إما في التسيير أو الحكامة في التدبير والرؤى  أو في تدني مستوى شعبيته ولا يرغب المتحزبون  أو أعضاء المكتب المسير أن يموتوا مع هذا الحزب، أو تحسب عليهم تصرفات الأمين التي تجانبها الموضوعية  والصواب ،بحجة نفعية أو كِبر في  " التخلويض"  أو  حتى في السن أو كِبْر في المعاملات  حيث تبدو الأفكار الحزبية جامدة ومتجاوزة في ظل التغيرات السياسية الوطنية أو العالمية وهنا تكون للترحال معقوليته وجديته.

المنتخبون السابقون أو الذين يرغبون الانخراط في اللعبة السياسية الوطنية كثرت تحركاتهم هذه الأيام بعد الحسم في الوقت المحدد للانتخاب الذي لا رجعة ولا مبرر لتأخيره، وقد بدأ موسم الطواف والهجرة نحو الجنوب والشمال إما بلباس حزب قديم أو بجلباب حزب جديد، ويكتمون الغيظ على الحزب الذي كانوا فيه البارحة،ويستغلون مناسبة الأعراس للظهور ،بلباس تقليدي أحيانا عليه " طبعات" من الأوساخ وب " بلغة " أكلها المشي ،ولم تعد صالحة إلا لهذه المناسبة ،ويتمددون بجانب الأقوام على التراب ،ويأكلون الطعام معهم، ويسلمون عليهم بحرارة في الأسواق فيُظهرون تواضعا غير مشهود ولا مسبوق، ويستبلدون البسطاء الذي يضحكون بدورهم على ما آلت إليه أوضاع هؤلاء الدببة " المخلوضون" وما آلت إليه نفعيتهم التي ركعتهم  وجرجرتهم للعودة للذين ربحتهم أوراقهم في السابق، لكنهم يجدون الساحة قد تغيرت  وارتفعت درجة وعي أفرادها  بالتجربة ،والناس الشعبيون أصبحوا مثقفين بتكالب التجارب المكرورة الفاسدة.

الترحال الحزبي لا يمكن أن يتوقف لأن المصالح أيضا لا تتوقف، ولا يمكن أن نجد جوابا مقنعا عند المهاجر المتلون من حزب لآخر، وقد يكون التعليل في الغالب بسبب أمور خاصة  وشخصية ،وهي حقا خاصة، فلو كانت عامة لاجتمع لحلها الجميع، والمفتاح لهذا الترحال هو بيد الشعب والأمة ،والمسؤولية الكبيرة التي على عاتقها الآن هي ألا تمنح أصواتها إلا من كان بجانبها البارحة في الكوارث التي حلت بها سواء كانت طبيعية أو بشرية ،أما الذين يطلون ويرحلون وينتظرون موسم العودة ،فلا خير ينتظر منهم ويجب أ ن نقلب عليهم أيضا كما قلبت علينا في السابق بل نتقلب  عليهم لا معهم ،كما تتقلب الحرارة والبرودة في يوم واحد  أو "نتقولب" عليهم بلغة  الشعب المغربي المتداولة . أما الذين يختارون اللعب على فكر المثقفين وأشباه المثقفين في كتابات على جداراتهم ويجندون جيوشا من أجل قدم لهم في الجهات عبر الدعاية المسبوقة التي لا يمكن للقوانين الحالية إيقافها  بسرد الأجندات والنبش في المثالب ،فتلك لعبة أخرى قد خبرها الجميع وهي أفضل حال من الذين يستغلون الولائم والمناسبات التي تكثر في فصل الصيف  وأفضل حال بكثير من الذين يحركون الحقائب المالية بدون رقيب أو رقابة ليشتروا بها مناصب حكومية ويشترون بها ذمم الناس فيفرغون العمل السياسي من جديته.  والفقراء بالأكيد بدورهم يفكرون بالنفعية فيقولون:  جاء الأقرع بعد الأقرع وليس في القنافذ من أملس، ويجب استغلال الوضع ولو بزرقاوات أو حمراوات ولا بأس حتى بكيس من الدقيق الفاسد أو نصفه عوض أن تفوت اللعبة دون لعب.