محسن الأكرمين - مكناس / جديد انفو

توارثت مكناس مقولة " بين مهرجان ومهرجان يولد مهرجان مستحدثة ". هو ذا الفعل الثقافي والفني والإشعاعي الباهت الذي يتم الترويج له بمكناس المدينة العالية المنسية .

مهرجانات وأسابيع ثقافية تناسلت كالفطر في الظل، واستحوذت بالوصاية على شبكة الحركة الثقافية والفنية بالمدينة . لنتفق أولا منذ البداية بأن غاياتنا الأولية ليست في نقد المهرجانات والتجريح في منتجوها الاستعراضي . وإنما نروم إلى حلحلة وضعية مهرجانات مكناس الأدبية والفنية والثقافية ، ثم وضع اليد إن أمكننا على القيمة التحسينية المضافة إلى المدينة بفعل تعدد المهرجانات بمتتالية ادفع .

إننا أمام وضعية غير صحية تتمثل في تخمة مزمنة من المهرجانات والأسابيع الثقافية وتلاحقها بالتزاحم والتدافع . تخمة أصابت الساكنة بالإسهال فانتكص حضورها بالقلة ضمن النخبة المستهلكة للفعل الثقافي والفني بالمدينة . مدينة لم يستطع أي مهرجان ببرنامجه الكمي وحجمه المادي من تسويق منتجوها الفني /الحضاري والثقافي /الأدبي إلى عموم ربوع الوطن وغيره ، بل أصبحت المدينة تستهلك بالتصفيق والصورة ما ينتج خارج أسوارها وتحتفي به وتركب على قصبة السبق و البهرجة . أسابيع ثقافية ارتكزت مركزية الوصاية القبلية على مستهلكي منتوجها الفوقي بالتوجيه والتقرير، والدفع بهم إلى الشطيح وصخب الأبواق المدوية التي تصك الآذان، وتخلط بين الفن الرزين/الملتزم والثقافة المستهجنة . هنا انتقلنا من مفهوم المهرجان الثقافي المرتكز على مؤشرات ثقافية وجمالية يراد امتلاكها عند المتلقي ، إلى مفهوم حج المواسم  والخروج إليها قبائل وجماعات بغاية الاستعراض الجسدي الشكلي  .

قياس نجاح المهرجان ليست في تسميته ولا في الفرق المشاركة فيه ولا في الأنشطة المندمجة ضمن فعاليات أيامه ،ولا حتى في حقيبة مانحي الدعم المادي ، بل النجاح في الكم العددي لمستهلكي منتوج المهرجان والاقتناع به بالإرتباط والانخراط  ، في الإضافة النوعية كقيمة محسوبة لأثر البعد الثقافي والأدبي والفني المستهدف بالترسيخ من برنامج وأنشطة المهرجان  ، في تلميع صورة مكناس محليا وجهويا ووطنيا ولما لا نرتقي بقولنا إلى تسويقها عالميا . هي ذي القيمة المضافة التي نبحث عنها وفقدناها بتعدد المهرجانات والأسابيع الموسمية والتي غطت شهور السنة بالتزاحم .

هل نبتغي مدينة سياحية وفنية وقطب ثقافي ؟ هو طموحنا الجماعي الموافق لسلطة الإدارة الولائية ، لكنه سؤال ماكر ويزداد مكره عندما يسوق المهرجان تحت جبة السياسة الفاضحة وغيرها . فضجة المهرجانات تنتهي بالتكريمات والشواهد التقديرية والموائد المستديرة في أفخم فنادق المدينة بما لذ فيها من أكل وطاب من مشروبات ... وكأننا نسوغ لأنفسنا شرعنة الاحتفاء بذواتنا بوجود الآخر الضيف القادم إلى المهرجان عبر محاباة الاستدعاء بنصب حرف "إن " ...  

في مكناس أصبحت لنا مهرجانات عائلية، وهي القيمة الدخيلة إلى المدينة عنوة . مرة بالإرضاءات والتوافقات ،ومرة ثانية بالتحالفات السياسية والعائلية، ومرة ثالثة بتذويب جليد الركود الحياتي بالمدينة .  فقبل الإعلان عن موعد المهرجان تستنفذ الدعوات بكاملها حسابيا، حيث تصطف نفس الوجوه في المقاعد الأولى جلوسا، وتشعل الفرجة لهم بالترحيب والتهليل ...

مدينة لا تضم حتى مسرحا يليق بقيمتها التاريخية وتموقعها الوطني ، وأملنا قائم في تفعيل خطة استراتيجية "مكناس الكبير" في إنشاء مسرح بقيمة مكناس الاعتبارية. كل المهرجانات تصب أنشطتها في قاعة الفقيه محمد المنوني الثقافية ، قاعة بحجمها الأصغر يلقي بأبناء الشعب " المحكور " بالإقصاء بين أيدي الأمن الخاص الشداد الغلاظ ... وكأن فقرات المهرجان فصلت وصففت لأصحاب الدعوات وعطرهم الفواح من باب القاعة إلى منصة التقديم  . لا عليكم ، فنحن لا ندفع بالحقد الاجتماعي إلى الأمام وإنما غايتنا الفضلى معاملة المواطن بالمناصفة والعدالة وسن المشط يستو فيه الجميع في حجم طوله .

إن سنوات الإحراج الذي مورس على قيمي المهرجانات المتعددة من قبل الإعلام المحلي حول عملية إقصاء عموم المواطنين - بنية أو بغيرها - من الاستفادة من عروض المهرجانات ، جعلت من القيمين على المهرجانات يلجؤون إلى ساحات القرب (ساحة الهديم ) وفسح الحدائق المفتوحة (مسرح الحبول الروماني / حديقة الشباب)، إنها الحلول الآنية والإستعجالية للقفز عن الانتقادات المدوية غير ما مرة في كل مهرجان  ولن تنفك إلا بإقامة مسرح يجمعنا كلنا باختلافاتنا .

الآن وفي ظل الجهوية المتقدمة وفقدان مكناس لمركزيتها الإدارية والتدبيرية ، لما لا يتم التخطيط لعقد مناظرة محلية ؟ لا يهم تسميتها بالمناظرة أو اليوم الدراسي أو المائدة المستديرة . بل الذي نطمح إليه هو ترك خلافاتنا السياسية والمذهبية جانبا ولو ليوم واحد والبحث عن سبل نهضة فنية /ثقافية/ أدبية  تحدث طفرة نوعية بالمدينة وتفك طلاسم سحر الركود و إبعاد كبار سحرة فرعون /اللوبي عن التقرير في مصير مدينة . ليست هذه  الخطوة دعوة مثالية بل هي الخطوة الأولى للوقوف قياما بعد حبو المهرجانات المتكرر ، وفساد الحصيلة الايجابية لها باللغو المتكرر .

المدينة تفقد بريقها ... المدينة سحبت منها دورة المسرح كتقليد إقليمي ومنحت إلى مدينة الحمامة  ... المدينة لا تخاطب أهلها بتنوعهم العمري والثقافي (اللغوي) ... المدينة تحتضر وموتها اشتد وقعه في حلقومها  . هي عبارات سئمنا من سماعها واستهلكناها ونغصت علينا طيبة الحياة بمكناس، لنعلن أن وقت الركوب عليها لتبرير مهرجانات التدافع والأسماء انفض وانتهى ...

إننا الآن  في مكناس بتنا من أصحاب الأعراف ، والخير الأولي في توافقنا الجماعي عن معايير جنة مكناس المدينة التي نرتضيها لنا جميعا ، وبدون إقصاء أو مزايدات سياسية . جنة تحسن ملمح المدينة بتمامه المجالي ، فهذا المسعى لن يتحقق إلا في نهج مسلك نبذ خلافاتنا الداخلية ، لن يتم إلا بتفكيرنا الجماعي التوافقي بصوت عال /علني ، لن يتم إلا في خلق كثلة واحدة للمهرجانات بالتشبيك والتقليل من كثرتها الجمعية التي لا تغني من قيمة مدينة .

خلق قطب مهرجانات تتوزع بالجدولة الزمانية هو مطلبنا الجماعي والذي أضحى السماع إليه واجب إقليمي ، مهرجانات تحترم المتلقي المستهلك في عمره الزمني ومورده الثقافي وانشغالاته الفنية/ الترفيهية  . إنها الثورة على سكونية المدينة وموروثها المتهالك بالنسخ الكاربوني فوق منصات العروض .

لما لا نقف ولو لمرة واحدة أمام مرآة تقويم أثر حصيلة مهرجانات /أسابيع/ مواسم/ أيام  مكناس .وما المكسب المادي واللامادي منها .فلا السياحة حطمت ذروتها بالمدينة أيام أسابيعها الثقافية، ولا فعل ثقافي وازن رقى المدينة إلى تسويق علاماتها الحصرية إعلاميا ، اللاءات كثيرة بمكناس ونحن في انتظار قطار التغيير وتوزعنا بين محطة الأمير والمحطة الرئيسية في اتجاه جهة فاس /مكناس .