بقلم: لحسن أمقران.
بعد أن عرضنا في الجزء الأول لواقع الأمازيغية الذي يتعين استحضاره في الأجواء الاحتفالية والتكريمية للمعهد الملكي، والتي ركّزنا فيها على الأوضاع المتردية للأمازيغية في المنظومة التعليمية، ها نحن مع الجزء الثاني والأخير من هذا الواقع الذي يظل أكبردليل على غياب أي إرادة سياسية لإنصاف الأمازيغية وفق مقاربة حقوقية واجتماعية تأخذ بعين الإعتبار حقيقة كون القضية قضية نسقية.
في قطاع الإعلام والذي لا يقل أهمية عن سابقه، لم يضف الترسيم والدسترة شيئا للأمازيغية في مشهدنا الإعلامي، فالمناصفة بين اللغتين الرسميتين سيظل من المستحيلات، خاصة بعد أن نجح مهندسو إقبار وطمس الأمازيغية من حصار لغة وثقافة الشعب المغربي المتأصلتين في "غيتو" يسمى باطلا "القناة الأمازيغية" التي ظن الفاعل الأمازيغي مخطئا أنها السبيل إلى إنقاذ الأمازيغية من تجاهل الإعلام المغربي قبل سنة 2010.
القناة الثامنة، ذلك "الغيتو" الذي يعاني من مشاكل وعراقيل شتى، بدءا بمشاكل الموارد المالية وحجم النفقات المرصودة للإنتاج بهذه القناة ثم الموارد البشرية وما تعانيه من غياب التحفيز والإقصاء من أبسط الحقوق والقسمة الضيزى في التنقلات والأسفار وغيرها، وصولا إلى الحيز الزمني الذي يعكس حقيقة المنظور الرسمي للإعلام والمتلقي الأمازيغيين، والذي لا يخرج عن دائرة الانتقاص والاحتقار والتهميش العمدي، خصوصا أن "الغيتو" ليس صانع قراراته بل وضع تحت الحجر والوصاية المباشرة لإدارة طالما تنكرت لحق الأمازيغية في المشهد السمعي-البصري، وانتهاء بالرداءة وغياب المهنية فيما يعرض، حيث يجمع المغاربة على إساءة القناة الثامنة الى التعدد والغنى الذي يطبع المعطى الأمازيغي وخصوصا إساءتها إلى المواطن المغربي عبر تجاهل آلامه وآماله والتركيز على سياسة الفلكلرة الممنهجة.
بالنظر إلى قنوات القطب العمومي، نجد استخفاف دفاتر التحملات بكل ما هو أمازيغي - رغم المجهودات القيّمة التي بذلتها إطارات جمعوية أمازيغية من أجل الدفاع عن اللغة الأمازيغية في الحقل الإعلامي منذ 2006- بل وحتى النكوص في تفعيل ما يرد في هذه الدفاتر على هزالته وقلته، حيث يتم برمجة البرامج "الأمازيغية" في أوقات مختارة بعناية واستغلال الأمازيغية في ملء الفراغ لا غير.
لقد استمر إذا مسلسل الإعدام البطيء للغة والثافة الأمازيغييتن في المشهد الإعلامي المغربي لمرحلة ما بعد الدستور، وتبقى الخرجات الإعلامية لرجالات الإعلام المغربي في شق الأمازيغية مجرد مساحيق منتهية الصلاحية يغطون بها تجاعيد مشهد تتحكم فيه جيوب المقاومة ومعاداة التنوع.
تظل إذا ذكرى تأسيس المعهد الملكي وتتويج الإعلاميين الأمازيغ فرصة، مرة أخرى، لإسماع أنين الأمازيغية وموتها البطيء في دهاليز الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، فرصة لكشف المضايقات التي يتعرض إليها الإعلامي الأمازيغي والحرمان الذي تعيشه القناة الثامنة، فرصة للدعوة وبحزم إلى ضرورة احترام الحصيص الأمازيغي في المادة الإعلامية الوطنية في شتى القنوات.
لم يكن قطاعي التعليم والإعلام وحدهما المعنيان بالأمازيغية وإنصافها، بل إن مختلف الخدمات العمومية تظل ذات صلة مباشرة بورش الأمازيغية، وتظل قطاعات العدل والصحة والداخلية في مقدمة القطاعات التي يجب تدشين مصالحتها مع المواطن الأمازيغي، فحقوق المتقاضين تظل عرضة للهضم بسبب استبعاد اللغة الأمازيغية من المحاكم بشكل مثير للتنديد، والمرضى ممن لا يتقنون غير اللغة الأمازيغية يطالهم الإهمال في ظل طغيان لغات أخرى في المؤسسات الإستشفائية، كما أن مصالح الداخلية تتحاشى كل ما هو أمازيغي لأسباب موضوعية تترتبط بسياسة الدولة أكثر من كونها ذاتية تتعلق باختيار هذا الموظف أو ذاك.
لقد كانت ذكرى تأسيس المعهد الملكي مناسبة سانحة لدعوة الإدارات المغربية بكل أشكالها واختصاصاتها إلى التقيد بمنطوق الدستور المغربي واحترام الخصوصية الأمازيغية في خدماتها، وهو ما سيجرنا إلى الحديث عن القانون التنظيمي الذي طال انتظاره من جانب حكومة تفعل كل ما في وسعها لتأجيل إصدار هذا القانون التنظيمي، والأنكى أنها تصادق على قوانين أخرى يفترض أن تشير فيها إلى الأمازيغية، لكنها تقصى تحت ذريعة عدم صدور القانون التكبيلي لتنزيل رسمية الأمازيغية.
إن القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل رسمية الأمازيغية من القوانين الحاسمة التي يفترض التعامل معها بغير قليل من الجدية والموضوعية، مراعاة للكرامة وللسلم الإجتماعي وترسيخا للحمة المغربية وتجسيدا للمواطنة الحقة وللعدالة بمفهومها الشامل، وكذا لدمقرطة العلاقة بين المواطن والمؤسسات. هذا القانون الذي ظل حبيس قاعة الإنتظار لحكومة ما بعد الربيع المغربي، يجعلنا نتساءل عن علاقة هذا التماطل والتأخير من جهة أولى بالوعيد الذي جوبه بها الملف الأمازيغي من لدن الحزب الأغلبي ووفاء أطره لمعاداة الأمازيغية. ، ومن جهة ثانية بصدق نوايا أحزاب طالما اعتبرت نفسها "رائدة" في الدفاع عن الخصوصية الأمازيغية.
إن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كمؤسسة تعنى بالشأن الأمازيغي مدعو إلى فتح آفاق جديدة في إطار أنشطته من خلال عقد موائد مستديرة وندوات ولقاءات بكيفية ذكية –إذا افترضنا حسن النوايا- تكون فيها الدولة المغربية طرفا لمساءلتها عن واقع الأمازيغية في مؤسساتها، وعقد لقاءات تجمع الفاعل الأمازيغي بالمواطن المغربي لرفع اللبس وإنهاء التوجس الشعبي الذي يكرسه الحصار الرسمي، إن المعهد يجب أن يعي أن سمعته رهينة بدمقرطة عمله وإعمال الشفافية، بدل التصفيق المجاني أحيانا كثيرة والصمت المريب أحيانا أخرى أمام تجاوزات مؤسسات وإخلالها بواجبها تجاه الأمازيغية.
في الختام، إن الدولة المغربية مدعوة إلى الكف عن إعتبار القضية الأمازيغية "حقل ألغام" يهدد كيانها، فالأمازيغية صلب التميز المغربي، والمشروع الأمازيغي مشروع حضاري ومجتمعي متكامل يفترض أن ينهل منه الفاعل المدني والسياسي المغربي، إنها الفكرة التي يجب أن يساهم المعهد الملكي في نقلها إلى المغاربة الذين تراودهم الشكوك حول جدوى الأمازيغية في زمن العولمة. إن المقاربة التشاركية التي استفاض الدستور الجديد في الإشارة إليها تجعل من الواجب الأخلاقي لهذه المؤسسة الدفع بواقع الأمازيغية الى التحسن بدل قيامها بأنشطة - رغم أهميتها في سياق تاريخي معين - تظل في نظرنا متجاوزة بالنظر إلى طبيعة المرحلة المفصلية وتفشي التراجعات والإخلال بالإلتزامات والإتفاقيات مما يؤشر على تراجع يتعين التصدي له من طرف أسرة المعهد بالنظر إلى الرصيد النضالي للكثير من هؤلاء.