محسن الأكرمين - مكناس / جديد انفو

أولى مسامير نعش التقاعد دقه اليوم الخميس 07 يناير 2016 الوزير الأول السيد بنكيران ، حين صادقت المجلس الحكومي على مجموعة من مشاريع قوانين من بينها مشروع قانون إصلاح أنظمة التقاعد . مشروع قانون تحدد بموجبه سن الإحالة على التقاعد الخاص بموظفي وأعوان الدولة والبلديات والمؤسسات العامة إلى 63 سنة على امتداد ثلاث سنوات بدءا من سنة 2017 (إصلاح نظام المعاشات المدنية/ العمومية ) .

فبيان النقابات الأربع "الاتحاد المغربي للشغل،والكونفدرالية الديمقراطية للشغل،والفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب" ليوم الأربعاء 6 يناير2016 ، لم يشفع بتخوف الحكومة من التنديدات المتوالية بالتردد عند كل بلاغ أو بيان ، بل أقدمت الحكومة على هذا الإجراء الذي لا يمكن تفسيره إلا بكونه سلوكا استفزازيا، وأسلوبا مرفوضا في التعامل مع قضية تهم شريحة اجتماعية واسعة من العاملات والعاملين في القطاع العمومي، واعتبرت النقابات " أن قرار الإستفراد من شأنه التسبب أكثر في احتقان وتأزم الأوضاع الإجتماعية وتعريض السلم الإجتماعي إلى تهديدات حقيقة...".

اليوم في هذا التحليل سنبتعد عن تفصيل القول في رؤية الحكومة لإصلاح أنظمة التقاعد ،فيما سيتم التركيز على مدى القهر والاستبداد الذي تمارسه الحكومة على النقابات خصوصا ، وعلى الطبقة العاملة عموما . لما تقر النقابات بان الحكومة تنهج سياسة اللامبالاة والهروب إلى الأمام ، وتفسد آليات الحوار الاجتماعي . إنها الوضعية الملاحظة بمقاربة المخالفة التي نبحث عنها لطرح فرضيات تحليلنا . فهل النقابات تعيش أزمة داخلية مع منخرطيها ومريديها الأوفياء ؟ هل النقابات بات غير واثقة من نضالات منخرطيها والمتعاطفين مع قضايا الشغيلة ؟ هل الشق السياسي بتراجع الأحزاب الوطنية ، أفقد النقابات قوة الحضور ضمن مكون الشارع المتحرك الذي كان لا يرهبه صوت المدفع ولا يركع ؟

الحق يقال أن جمرة ملف التقاعد بدأت تحرق ما تبقى لنا من مركزياتنا النقابية ، والحكومة تستلذ بالأمر، وتدفع به إلى الأمام لتمريغ أنوف النقابيين بالوحل أمام الملأ ( ولن يتاتى لهم ) . فوضعية تحولات المغرب ما بعد حركة 20 فبراير قد أضعف حقولا سياسية واجتماعية ونقابية .قد أخرج النقابات من المعادلة القوية بالدفاع عن الحق في العيش الكريم لحظة العمل ،ولحظة التقاعد ، وسحبتهم من الشارع ومن هموم المواطن البسيط الذي صاح بأعلى صوته غير ما مرة لا ثم ألف لا ...

فإذا ما لمحنا تراجع الأحزاب الوطنية -(والنقابات الموالية لها ) -عدديا في المقاعد المحصلة ، وكميا في عدد المصوتين ، فإننا نقر علانية بأن الكل يتحمل المسؤولية القريبة أو بعيدة من تدني شعبيتها وجفاف المصوتين عليها في صناديق الاستحقاقات الوطنية . وهنا نتساءل ، هل تتحمل الدول وزر ذلك ؟ أم أن " المخزن " يخبر اللعبة السياسية ، وقام بالرهان على الإسلاميين الجدد ؟ .

حقيقة الأمر واضحة، كراكيز اللعبة السياسية الخلفية تسير من بعيد ، وتبدو الخيوط جد متشابكة ،لكن للدولة كناش حل الأحجيات وفك رموزها وطلاسيمها ، ولو إن استعصت . اللوم الآن لا يلقى على كاهل الدولة بالمرة فقط ، ولكن اللوم يركب المغاربة جميعا حين قنطوا من الفعل السياسي والنقابي وأخلو الساحة بالانسحاب ، وركبوا على انتقادات المقاهي الهزيلة . اللوم يركب المغاربة حين نكصوا عن التوجه إلى مكاتب التصويت واكتفوا بالمشاهدة التلفزية . اللوم يركب الجميع حين كانت الخيانة الكبرى بعدم التصويت أو التصويت المضاد العقابي . اللوم يلف الجميع في أنانية النضال والارتكان إلى جزء الراحة بدل التضحية إسوة ووفاء بالسلف .

فالأسباب الموضوعية للترهل الذي أصاب الفعل النضالي النقابي والسياسي ...، تكمن في فشل تجربة التناوب والقفز عليها بالتكريم والمدح وكفا ، تكمن في افتقاد النضال النقابي للسند الحزبي الداعم والقوي ، فحين هوى سهم مردودية الأحزاب الوطنية ، تراجعت النقابات بنفس المسافات أو أكثر اتساعا ، تكمن كذلك في الانشطارات النقابية والحزبية المتوالية والأثر المدوي للصراعات الأخوية ، تكمن في الآخر( الحزب الحاكم ) الذي خلق تنظيما منضبط للأوامر وقادر على الطاعة والتحرك برمز إشارة .
للظرفية التاريخية الانتقالية ما بعد دستور 2011 دورها كذلك ، فالمرحلة تأسست على خطابات إديولوجية جديدة (الخطاب الإسلامي ) ، ولم يكن المغرب بمعزل تام عن ما يحدث في العالم العربي /الإسلامي ... فقوة الحزب الحاكم أباح لنفسه الاستفراد بالقرارات عنوة وضدا على الفرقاء النقابيين .

فلا حكامة ،ولا رؤية تشاركية ،وإنما حكمة التسلط تستبد بالاستفراد بالرأي وفرضه كواقع ، في حين السؤال الوجيه هو البحث عن كيفية مواجهة الرأي الأحادي للحكومة في شق إصلاح أنظمة التقاعد !!!؟ إنه في الفعل النضالي المسؤول والملتزم ، انه في الانتماء إلى النقابات ودعمها وإسنادها ومساءلتها ومحاسبتها فيما بعد ، انه في الرفض وتوحيد الكلمة بالفعل بدل ترديد مصطلح " التنديد" ، فالتنديد لا يسمن ولا يغني من جوع المتقاعد بعد احتساب %2 من راتب متوسط 8 سنوات ، لا يسمن بقوة بتمديد سن التقاعد إلى 63سنة . فالرأي ، الرأي يا عمال المغرب اتحدوا ولو ضد لا شعبية إصلاح أنظمة التقاعد المدنية .