… الخامسة والنصف مساء، كنا قد وصلنا “أنا وسي الصمودي عبد الغني” إلى مقهى راقية بغرب الدار البيضاء، كانت عندها تستعد لاستقبال زبنائها لوجبة الإفطار. دار بيننا حديث خفيف قبل أن يسألني عن رأيي حول ما إذا كنت موافقا على أخذ وجبة فطور معه اليوم (الاثنين 08 يوليوز 2014)، أم نحدد موعدا لاحقا خلال شهر رمضان، على أن نكمل الحديث حول زاكورة بعيون يونس الشيخ.

طبعا لم يكن من الصواب أن أرفض طلب الرجل وهو الذي طرق بابي وطلب رأيي حول ما يجري في المدينة وكيف يرى الناس العامل الصمودي، والعمل الذي تقوم به السلطات في التعاطي مع عدد من الملفات “الكبيرة” في الإقليم الذي بالمناسبة تعيش ساكنته محنة غير مسبوقة مع الماء وكذا الكهرباء كما وقع يوم السبت 19 يوليوز 2014.

في البداية كنت حائرا من أين أبدأ، وكيف أبدأ، والإقليم يمر بمشاكل كبيرة، رغم أنه عرف تطورات مهمة على مستوى البنيات التحتية التي لم تتحسن معها أحوال الناس في واقع الأمر، فجاء اتصال للعامل الصمودي، استأذن فابتعد قليلا.

عندها جُلت بعيني بمحيط المقهى الواسعة وكأنني أبحث عن رأس خيط الكبّة، فتذكرت في نفس الوقت، مشاهد كارثة تيشكا، وصورة الراحلة العبدلاوي، وصور أطفال بدون أحذية ببعض شوارع زاكورة وقاعات مكسرة النوافذ بمدارس بدون أسوار، ومراكز صحية ميتة وأخرى بدون أطر أو بموظفين أشباح، وصور شباب يتعرضون لهجوم رجال الأمن والقوات المساعدة، ومسيرات نساء وأطفال المدينة، ووقفات احتجاجات السلاليات، وصور ومشاهد أخرى كثيرة، بعضها باهث، ربما لأنني لم أعد أزور المدينة إلا قليلا.

كل تلك المشاهد ظهرت بين عيناي في لمحة بصر، فحاولت ترتيب أفكاري قبل أن ينهي العامل مكالمته القصيرة ويجلس مرة أخرى، ويجدني قد رتبت بعض الأفكار والمعطيات. وأنا أُدرك أن العامل يعرف مشاكل الناس أكثر مني ومن غيري، ويعرف الحلول الممكنة والمستحيلة.

- “الجو زوين اليوم فالدار البيضاء أ سي يونس..”

- “زوين تبارك الله، غير الله يكون ف عون ناس زاكورة، وخا عندهم الأجر فهاذ الحرارة”.

ابتسم السيد العامل فقال: “نكملو كلامنا، سمح ليا كان خاصني نجاوب على المكالمة، نبداو بأهم الملفات اللي كاتشوفها ضرورية وخاصها تكون من أولوياتنا ف زاكورة.

- في الحقيقة هذا اللقاء مفاجئ وأنا منشغل بملفات كثيرة هذه الأيام، ولكن ما دامت هذه فرصة لا تُعوّض (أَبتسم) فأعتقد أن الناس في زاكورة يعانون مع الماء، والماء هو الحياة أولا، ومسيراتهم أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة عبرت عن ذلك بوضوح، والسلطات المحلية تعرف كل هذه الأمور بدون شك.

هناك من يقطع مسافات طويلة للحصول على الماء الشروب، وأقصد ماء قابل للشرب رغم أنه لا يخضع لأية مراقبة أو معالجة، ويدفعون مقابل ذلك، رغم أنهم يؤدون فواتير المؤسسة المعنية.

ولابد من يوم دراسي تنظمه العمالة بحضور كل المتدخلين، المكتب الوطني للماء الصالح للشرب ومديرية الفلاحة وجمعية أصدقاء البيئة ومتدخلين آخرين بحضور خبراء في المجال، لبحث هذا الملف والخروج بخلاصات لا ينبغي التأخر في تنزيلها على أرض الواقع.

وينبغي كذلك الاستماع لما خرجت به لقاءات سابقة من توصيات أعتقد أنها هامة جدا شارك في صياغتها متخصصون ومهتمون دقوا ناقوس الخطر أكثر من مرة، وقالو “زاكورة في خطر”.

كل هذه التحركات لم أكن أنتظر أن تظل السلطات تكتفي بالصمت بدم بارد، أو على الأقل غياب تواصل مع وسائل الإعلام، وبالتالي تبقى كل جهودكم (إذا كانت هناك جهود في هذا المضمار) حبيسة أسوار العمالة ومكاتب المصالح الخارجية.

في الحلقة المقبلة (الثالثة) نواصل تفاصيل الحوار مع “سي عبد الغني الصمودي”.

تذكير: “هذا حوار متخيل وغير حقيقي، نهدف من خلاله تسليط الضوء على ملفات هامة بإقليم زاكورة، وتقديم صورة ونظرة حقيقة “بلا بروتوكول” حولها، ومقترحات حلول لبعض المشاكل”.