حنان الشاد - جديد انفو

الفوضى تعم كل الأماكن بوطني، على الرصيف، بين الأزقة، في المقاهي، في المستشفيات، في المدارس والجامعات، خلف الأبواب الموصدة...الجميع يحتج، ينتفض، يتذمر من الواقع ومن الوضع الذي نعيشه ..
 
خطابات متعددة بألوان مختلفة تتلى على مسامع ومرأى من العالم، حيث المواطن البسيط يقف مشلول القوى، حائرا بين الصمت والشكوى، خائفا من القمع والإذلال و"العصا لمن عصى"، مواطن له كل الحق في اختيار مصيره ، حاضره ومستقبله، مواطن لطالما أمل في كل استحقاقات تشريعية أن يؤخذ صوته بمحمل الجد والمسؤولية، المواطن البسيط الذي لا يفهم لغة الأرقام والإحصائيات والتقارير الأدبية والمالية، يفهم فقط أنه أدلى بصوته مقابل برنامج انتخابي ووعود كبيرة تزهر فيها الأماني بحاضر ومستقبل أفضل، حيث العيش بكرامة، سقف يأويه ومدارس تعلم ابناءه ، ومصحات استشفائية يلجأ إليها فترة المرض، كسرة رغيف وبيض وبصل وزيت وسكر بثمن يوالم قدرته الشرائية، وإنه لمستغن عن سيارة أو دراجة نارية أو حتى هوائية أمور بالنسبة له من الكماليات لا الضروريات التي تتحكم بها الأسواق السوداء وأسعار الذهب الأسود وتقلبات المناخ ومزاجية ذوي الأمر، ناهيك عن القوى العظمى التي لازالت تمارس الاستعمار والاستيطان وسياسة فرق تسود..
 
ليس بجديد علينا أن نضيع وسط هذه العواصف ، ونتوقف دائما عند نفس المنعطفات نتفرج في مسلسلات حقيقية وأخرى مزيفة يروج لها الإعلام تارة بكل وسائله السمعية البصرية والورقية والإلكترونية، ليكون مرة أخرى المواطن البسيط والذي سيظل بسيطا مهما ترقى ثقافيا واجتماعيا أو حتى اقتصاديا لما يحدث له من انجراف خلف المظاهر والتبعية المطلقة والخوف من قول كلمة"لا"..فبضع ولائم بإحدى الفيلات الفاخرة، أو "قصارة مضخمة" بأفخر الفنادق كانت كافية لشراء الذمم وبيعها، ليصبح صاحب المبدأ متملصا من كينونته وبراءته التي طالما تباهى بها ودافع عنها معتليا إحدى المنصات وسط مدينة أو قرية، تحت الإضاءة العمومية أو تحت لهيب شمس حارقة، غير آبه أو آبهة لا لبشاعة الأجواء ولا لرائحة روث البهائم التي كانت على قرابة منه أو منها في إحدى الحظائر..
 
أصابع الإتهام تبدو متشابكة وفي كل الإتجاهات، فلا مكان بوطني إلا لتبادل الشتائم والاستقواء على حساب الفاقة، وانتهاز الأوقات المناسبة لفرد الريش..أغلبية ومعارضة في قمة العداء والإختلاف السياسي من أجل مصلحة الوطن،هذا ما يبدو دائما، والحقيقة كالكأس النصف ممتلئة، فهناك من ينظر إلى النصف الفارغ، وهناك من ينظر إلى النصف الممتلئ، كما تختلف الغايات والمطالب تختلف الآليات والاستراتيجيات حسب ما يخدم المصالح الخاصة بالدرجة الأولى..
 
في وطني، نعيش حربا بلا أسلحة، فقط نحتاج لأقلام مزيفة، وحرية تعبير في رد وإصدار أحكام بل وفتاوى هجينة، من مسؤولين ورواد ورجال دين، حتى خطبنا ليوم الجمعة، صارت فارغة من محتواها إلى درجة الإكتفاء بتعليم الرجال بالمساجد أهمية الرضاعة الطبيعية، ياترى هل بنية استباقية لحث المواطن على مقاطعة حليب الرضع الإصطناعي مثلا؟ أو بنية استنزاف الثروات الطبيعية من الحليب والتي جعلها الله بثداء أمهاتنا لنرغم على شراءحليب من نوع آخر وبثمن اصطناعي يخدم احتياجاتهم الجشعة كما حصل مع البصل والعدس..
 
لا حياة لمن تنادي في وطني، إلا في امر واحد، وهو مغربية الصحراء، القضية الوحيدة التي لا نقاش فيها ولا منازع، القضية الوحيدة التي نشعر من خلالها أننا جسد واحد، لا فرق بين أغلبية ومعارضة، لا فرق بين الرجال والنساء، ولا بين غني أو فقير، شعار واحد يلزم الجميع" الله، الوطن، الملك"، شعاريوحد بين اليسار واليمين، يجمع بين كل الإيديولوجيات، ينسى الفرق بين العلماني و"المتأسلم"،فرحم الله المغفور له" الحسن الثاني" الذي ترك درسا في الوحدة، والذي مهما اختلفنا وافترقنا تجمعنا عبارة" المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها"..فنطمئن ولو لوهلة من الزمن أن ما يشهده الرأي العام المغربي والعالمي من أحداث بوطني مجرد نزوات عابرة ومغالطات في تداول المعلومة ولربما افتعال لمشكل من اجل معالجة المشكل..
 
شباب وطني شاخ وهرم، لا مجال للزواج والعفة، إذ لا مجال لوظيفة محرمة، أو عمل شريف، زاده حرمانا استسهال التعدد من جهة، و من جهة أخرى الحكم الإجباري بغض البصر عن مظاهر الفساد الحقيقي المقنن والمقدس إلى أبعد تقديرفي جسد الآلهة"عفا الله عما سلف" لتحافظ على خلودها بخير خلف لخير سلف..ولمنح الشباب قدرته والثقة بنفسه، خولت له الصلاحية المطلقة في تغيير المنكر الغير المنكر وتطبيق الحد بالشوارع ،لا يهم إن كان في إطار الحلال أو بغير قصد أوسوء نية، في إقصاء تام للسلطات المختصة وتغاضيها المقصود ربما، مما يخول للشباب الكهل في أفكاره ومعتقداته إثبات الذات" الأنا" وتفريغ المكبوتات والصراعات الداخلية والمعاناة اليومية بدل الاحتجاج والصراخ للمطالبة بالحق..إلى درجة إضرام النار بالجسد أمام البرلمان في غالب الأحيان، والذي يعد وجهة مشهورة لشباب ونساء من وطني..
 
وماذا بعد لم يذكر..؟ فوطني يزرع ويزرع، وما حصده لحد الآن متمظهر تماما في نساء معنفات، في انتحار مسؤولين، في طفولة مغتصبة، في أسوياء ذوي احتياجات خاصة، في عزل لذوي المبادئ والحق، في ذعارة راقية و"شيشة"و"حانات"، حفاظا على الإقتصاد الوطني،في دبلوماسية السفر في الدرجة الأولى وحجز بفنادق فخمة وفواتير مدفوعة، من جيوب ومدخرات وطني..
 
بكل المناسبات، كعكات بمقادير محسوبة ونكهات متنوعة، وفق كواليس معينة توزع،وحسب الشهية تؤكل، ويبقى الفتات إن بقي لك يا وطني.