انطلقت مسيرة الحياة على وجه البسيطة ليحدد فيها الإنسان العاقل خياراته وفق قناعاته ويتحمل فيها مسؤولية اختياره لحريته، فسؤال الحرية يتعدى بعدي الزمان والمكان، وعلى هذا الأساس ولكي يكون الإنسان فاعلا في مجتمعه الذي ينتمي إليه ويؤدي الوظائف الطبيعية له حسب خياراته وقناعاته فلا بد أن يتم إقرار حريته طبقا لما اعترف به الدين الإسلامي ومن بعده المواثيق الدولية والدساتير، نظرا لكونها من أعز ما يملك الإنسان بل هي قوام حياته ومنار وجوده فبها يحيا، ومن أجلها يعيش ويفنى، وهي أساس بنيان المجتمع السليم، وهذا إقرار ظل وسيظل راسخا أصيلا غير قابل لتعديل أو تبديل من أحد.

كان لهذه المقدمة ضرورة، ولعلها تشكل دخولا أوليا للحديث عن الجدل الكلامي الذي أثاره شريط "فيديو" نشرته صفحة (تنغير تحت نير الإقصاء) لبعض الإخوة الذين يتبنون قواعد المنهج السلفي في الفكر الإسلامي بمدينة تنغير، وهو عبارة عن محاضرة تناول فيها المحاضر قضية توحيد الله عز وجل وبعض القيم الإسلامية كما تراها وتدعو إليها المدرسة السلفية التقليدية، والشريط يحوي أيضا مداخلة لأحد الحاضرين يطرح فيها تساؤلات وأسئلة فقهية على المحاضر، والذي أجاب بدوره عنها. في ظروف وأجواء تنم عن تفعيل مبدأ قبول الآخر المختلف.


مقطع فيديو لمحاضرة في تنغير


الإشكال هنا وتحديد محل النزاع فيه هو في توظيف هذا الشريط لإثارة الضوضاء وحس الكراهية والنفور وتغفيل الناس عن الأرضية المشتركة التي تشكل فيها مبادئ الحرية والكرامة والتسامح وقبول الاختلاف قواعد لعلاقة الأفراد فيما بينهم بغض النظر عن انتماءاتهم وتوجهاتهم ومشاربهم الفكرية والدينية، في حياتهم الخاصة والعامة، وهو ما يجعلنا نتأكد أن هذه المبادئ الإنسانية لا زالت ترفع كشعارات تُنَمَّق وتُبَهْرَج بها الواجهات والخطابات ليس إلا، فأول من يدعو إليها تنظيريا هو من يخالفها تفعيليا وعمليا، مفارقات وتناقضات غريبة وعجيبة. فأين اعتبار الكونية في حقوق الإنسان وأن جميع الناس يولدون أحرارا ومتساوون في الحرية والكرامة المتأصلة فيهم كبشر؟.. أم أنها حرية إنسان تمنع في المقابل حرية الإنسان؟..أليس هذا تطرفا؟.