لقد صار للإعلام بكل روافده دور كبير في تغيير أنماط الوعي الإنساني، ومنذ ظهوره في مجتمعنا الحديث أسهم مساهمات كبرى في تشكيل الرأي العام، وتوسيع دائرة القراء والمهتمين، ومع التطور صار الإعلام ذو فعالية أكبر، ولاسيما بعد أن تعزز بالإعلام الإلكتروني الذي تنوعت أنساقه وسياقاته وغزت أغلب الناس.

في هوامشه المنسية (ص: 52) كتب ذ. كريم إسكلا يقول: "... بالجنوب الشرقي ظهرت أقلام وَجَدَتْ في الإعلام الإلكتروني والشبكات الاجتماعية متنفسا لاستنشاق بعض أوكسجين البوح والكتابة بعيدا عن قيود المجتمع من جهة، وقيود الإعلام الرسمي الممركز في المغرب النافع من جهة أخرى...".

 ثم يصف لنا حال التذبذب والخلط الذي يعتري واقع إعلام الجنوب الشرقي قائلا: " برزت مواقع ومدونات وصفحات في الشبكات الاجتماعية، وتراكمت تجربة هامة ومهمة، لها ما لها، وعليها ما عليها (...) فظهر الخلط بين الكتابة والصحافة، وبين الإعلام والعمالة، وبين نقل الأخبار وطمسها، وبين العمل الإعلامي المواطن والعمل الاستخباراتي والعمل التسويقي (...)، لكن في مسعى تطوير وتجويد الممارسة لابد من عمل نقد ذاتي للتجربة حتى لا نفقد البوصلة (ص: 53).        

إن المتتبع لتراكم هذه التجارب المتنوعة والمتعددة للمشهد الإعلامي بالجنوب الشرقي لا يخطئ ملاحظة انطوائه واشتماله على تلك الأنساق، ويسعفنا ذلك للقول إن تحديد الأقلام السليمة المواطنة والمواقف الصحيحة الموضوعية المنبثقة من الفهم الرشيد والتصور السديد دائما ما يكون صاحبها ثابتا لا يعتريه التذبذب والخلط، و إنما السبيل إلى تحقيق ذلك يكون باستيعاب المعارف، وصائبية مناهج الرؤية والنظر، وتشخيص الهدف، ومعرفة الحقائق التي هي بطبيعتها تنسجم والفطرة السليمة، وهذا ـ من وجهة نظري ـ عامل أساسي لفهم الأسباب التي في غيابها أدت إلى نظرية الخلط التي تحدث عنها الأستاذ كريم إسكلا .

فغالبا ما تكون الأقلام/المواقع/الصفحات ذات المواقف الثنائية والمتذبذبة لا يستقر لها نمط فكري ثابت. وتتردد كثيرا بين ما هو صواب و ماهو خطأ،  أو ما هو حق وما هو باطل، أو ماهو ذاتي وما هو موضوعي، كما لا تثبت على رأي ولا موقف، فهي قلقة وغير متوازنه، فلو أخذنا مثلا بعض الإعلاميين المحليين – دون ذكر لأسماءهم ـ يلاحظ المتتبع لتصريحاتهم وكتاباتهم حول واقع الإعلام المحلي في علاقته الجدلية بفعاليات مهرجان الورود في نسخته 52، تذبذبا في المواقف وترددا في تحديدها، فمرة يصرحون بمواقف تنديدية لتمثلات الإعلام المحلي، ومرة أخرى تطبيل وتزمير لتمظهرات إدارة المهرجان، بل أكثر من ذلك تقزيم وتنقيص بصيغة المبني للمجهول لكل صاحب رأي وموقف سديد ومنتقد بناء، وهذه النماذج المضطربة تحيل إلى جوهر ما تعيشه من حالة القلق في الجانب السيكولوجي. يقول الدكتور أحمد الصفار: "إن تذبذب الشخص برأيه وقراره إنما هو نتيجة تضارب مصالحه، وعدم ترجيح عقله في كل الأمور".

 ولأنها أقلام قلقة نفسيا مأجورة خارجيا ومن ثم غير متوازنة وفاقدة للهدف تراها تتخبط في مناقشة مسائل فرعية وهامشية غافلة بذلك التحري عن الأصول والأساسيات للدفاع عن القضايا العادلة، ضاربة بوضعية الإعلام المواطن الحر بكل أنساقه الفكرية والعلائقية عرض الحائط. وهي بذلك تعكس حالة القلق التي تعيشها نتيجة الارتياب والشك وهذا ما عبر عنه القرآن الكريم في الآية 45 من سورة التوبة: "وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون". وأيضا تعكس طبيعة التكوين النفسي والذهني للإعلام المأجور.

هذه الحالة السيكولوجية للإعلام المأجور غالبا ما تخلق ذهنية متصلبة محدودة الأفق، تتحكم فيها الأيادي الخفية ، فكل حركة فكرية نقدية تعتبر في نظرهم إثما يستحق العقاب إما بالنبذ، أو السخرية، أو الاتهام بالتحرش الجنسي، أو التخوين..إلخ، وهذه بعض مظاهر التماهي بالمتسلط، يقول الدكتور مصطفى حجازي: "التماهي بالمتسلط يشكل أحد المظاهر البارزة في سعي الإنسان المقهور، لحل مأزقه الوجودي والتخفف من انعدام الشعور بالأمن، والتبخيس الذاتي الذي يلحق به من جراء وضعية الرضوخ، إنه كحل عبارة عن هروب من الذات وتنكر لها، وهروب من الجماعة وتنكر للانتماء إليها، من خلال التشبه بالمتسلط وتمثل عدوانيته وطغيانه ونمط حياته وقيمه المعيشية، إنه استلاب الإنسان المقهور الذي يهرب من عالمه كي يذوب في عالم المتسلط ونظامه آملا في الخلاص. "التخلف الاجتماعي، ص: 123".      

 مثل هذه المظاهر المتذبذبة لبعض الكتاب والإعلاميين تحيلنا مباشرة إلى ضرورة الوقوف على إشكالية علاقة الإعلام بالسلطة، أو الإعلام المأجور، أو وكلاء العلاقات العامة بتعبير الأستاذ كريم إسكلا، إلا أن السياق لا يسمح، ولذلك سنفرد هذا الموضوع البحث والتحليل في مقال آخر، ولعل مقال الأستاذ عبد الله أفتات رئيس الاتحاد المغربي للصحافة الإلكترونية والذي عنونه بعنوان "علاقة السلطة بالصحافة الإلكترونية" يبقى رائدا في بابه.