مولود بوفلجة / جديد أنفو
في الأيام القليلة الماضية شكل افتتاح متجر آسيما الحدث بمدينة الرشيدية فتناقل الناس الخبر السعيد بينهم، و أخبر المقيم المسافر و أعلم الحاضر الغائب. و كان يوم الافتتاح يوما مشهودا في حياة البلاد و العباد فحج الناس إلى المزار زرافات ووحدانا شيبا و شبانا نساء و رجالا حتى ضاق بهم الفضاء بما رحب و اكتظ المكان بما فيه و من فيه ..إنه تهافت الاكتشاف عند أناس و تهافت الإقبال على الاستفادة من التخفيضات و الأسعار السحرية عند آخرين.
و لا شك في أن القائمين على شأن المتجر قد قاموا بدراسة عميقة للتركيز على خصوصية المدينة و طبيعة الفئة المستهدفة انطلاقا من معيار المنطقة الجغرافية و مجال التسويق و الخصائص السكانية و أسلوب حياة الناس و عاداتهم و تقاليدهم لذلك خص التخفيض مجموعة من المواد الأساسية كالدقيق و الزيت و البيض و السكر فأقبل الناس على هذه المنتجات إقبال'' المغبون عل البلبول'' كما يقول المثل المحلي،حتى يتخيل المرء أننا مقبلون على سنوات عجاف من المجاعة و القحط أو على حرب أهلية ستعز معها الأطعمة و يقل القوت ..إن الإقبال على شراء المواد الأساسية بهذا الهوس لا يعكس في حقيقة الأمر سخاء و كرما و رغبة في الإنفاق بل يخفي كما يذهب إلى ذلك علماء النفس نوعا من البخل و هو بخل المحافظة و الادخار القهري و الحرص الشديد على التخزين والاكتناز فلا يرتاح الواحد منا نحن المغاربة حتى يتوفر له في البيت زاد شهر أو شهور تكريسا لثقافة ''الخزين و تكيال الزرع و الزيت'' و مواد أخرى.و هذا النوع من السلوك يرتبط عادة بالرغبة في تأمين سبل العيش خوفا من المستقبل و من ''دواير الزمان''. و الأمر متصل أساسا بما عانيناه من حرمان في طفولتنا و في مراحل سابقة من حياتنا.
و الأكيد هو أن ارتيادنا لهذا النوع من المتاجر سيغير كثيرا من عاداتنا الشرائية لأن التسوق سيصبح نظيرا للتباهي و الاستعراض و زيادة حجم الاستهلاك و توالي المشتريات بتوالي الزيارات مع عدم القدرة على ترتيب الأولويات و ترشيد عملية الاقتناء لأن الأمر لن يصبح مجرد شراء بضاعة بل ترسيخ قناعة و هي عادة الشراء ،ليس بدافع الحاجة بل بدافع تحقيق متعة و لذة الشراء في حد ذاتها، خصوصا أمام وفرة العرض و سلطة الإشهار التي توهمك أنك مخير و الحقيقة عكس ذلك تماما . تبدأ العملية بلعبة طفولية جميلة تتمثل في جر العربة الصغيرة الخفيفة التي لا تجعلك تحس بثقل ما تقتنيه فتعمد إلى تعبئتها بما طاب و ما لم يطب و بما تحتاجه و ما لا تحتاجه حتى تصطدم بثمن الفاتورة التي لا يحق لك نقاش أرقامها -كما كنت تفعل عادة مع ''علي موال الحانوت''-لأن الذي يخاطبك هنا هو صوت ملائكي لوجه بشوش صبوح تمنعك رجولتك الصحراوية من أن تظهر أمامه بمظهر الحريص المقتر، فتؤجل مراجعة الحساب إلى البيت.
متجر ممتاز بالمدينة هو إضافة نوعية و ملاذ لفئات من الساكنة ستجد فيه تلبية لرغباتها النفسية وتطلعاتها الاجتماعية و حاجاتها الاقتصادية لكن فئات عريضة من الفقراء و المعطلين و المستبعدين اجتماعيا ،و الذين يشكلون السواد الأعظم في المدينة ،و الذين يتم إطعامهم بنظام التنقيط و التقطير أو'' عيش لا تموت'' كما نتداول بيننا ،سيجدون أنفسهم مبعدين قسرا عن هذا النوع من الأماكن و يزداد إحساسهم بالإقصاء و الاستبعاد الاجتماعي و العنف الرمزي أمام كثرة المعروض و ضعف ذات اليد و قلة الحيلة.لذلك فبعد زيارات الاكتشاف و الاندهاش سيعود حتما الكثير منا إلى دكاكين القرب و الجوار و تقسيط التقسيط حاملين بين أيديهم ''كارني الكريدي '' الذي يحتفظ البقال بنسخة منه يشترون ما قرروا شراءه مسبقا دون زيادة و لا اجتهاد، يدققون الحساب و المحاسبة قبل الانصراف لأن الاستدانة عندهم قدر محتوم نتيجة ضعف الدخل أو انعدامه أصلا.
أعود مرة أخرى لأغني نفس الموال على مسمع من يشرفني بمشاركتي أفكاري بقراءة هذه الكلمات و هو أننا في حاجة لا إلى أسواق فقط بل إلى مصادر إنماء حقيقية تغير وجه المنطقة و تنتشل الفقراء من فقرهم و المعطلين من عطالتهم و ذاك بإنشاء مصانع و معامل في حجم الإمكانات البشرية للمدينة حينئذ يكون للمتاجر الممتازة مبررات قوية للتواجد بيننا و يصبح للدكاكين المنتشرة و المتجاورة في الأحياء وللسلع البائرة في الأسواق زبناء يبتاعونها لأننا نكون قد خلقنا فئات عريضة تمتلك قدرة شرائية تؤهلها للإنفاق.
بالفيديو : فوضى واعتقالات في اليوم الافتتاحي للمساحة التجارية " اسيما " بالرشيدية