زايد جرو – تنغير / جديد انفو
الرحى من التقنيات الحضارية التي أنقذت الساكنة من الجوع، ولا يكاد يخلو بيت تقليدي بالمغرب العميق من هذه الوسيلة التي تقبض بعصاها الصغيرة نساء البوادي، وتوضع في البهو أو في مكان محفوظ خاص حتى موعد الطحن، لأنها من الوسائل التي يسرت عيش الساكنة، قبل الحداثة التقنية ...ولها رموز متعددة : فهي الفرج بعد الضيق، والغنى بعد الفقر، ووجودها في الدار التي لم تجرَ لهم بها عادة، دال على الأنكاد والغلبة والخصام، فإن طحنت قمحاً أو شعيراً، أو ما فيه نفع دل ذلك على اليسر والخير، وإن دارت بصوتها حف الرزق المكان وشُفي الأهل من الأمراض، وإن دارت بلا حنطة فذاك تعب، وإن طحنت فيها المرأة خبزاً أو لحماً خلسة دل ذلك على الرغبة في تدمير أهل البيت انتقاما، والرحى إن دارت معوجة سيغلو السعر، وإن لوى الأطفال عصاها الصغيرة ، فذاك دلالة على قرب آجال صاحبتها، أما إذا انكسرت فصاحب الرحى سيتوفاه الآجال قريبا، ومن اشترى رحى تزوج إن كان عازباً ، أو زوّج ابنه أو ابنته قريبا ، أو سافر إن كان من أهل السفر، والعريس حين يطحن بمعية عروسه قبل الزفاف فذاك أمل في تيسير العسير، وتمني الغيث والفرج واستمرار الحياة بالعطاء والذرية المعطاء، وهي أمور اعتقادية سارية ومتداولة بين الناس على مر الأزمان كالحِكم.
وأثناء الطحن لا يجب أن يحف المكان الصمت العميق، بل يجب أن تردد النساء بعض الأهازيج التي من شأنها أن تخفف عنهن عناء العمل، وعادة ما تحمل هذه الأهازيج إشارات نحو موضوع ما وتختلف من أداء فردى إلى أداء جماعي تشترك فيه عدة نسوة وهي بين الرضا والقناعة والغزل والحِكم، وكم تتمنى النساء والقوم ألا تدور الأيام كدائرة الرحى ....وتحية عالية لكل النساء اللواتي أتعبت راحتهن عصا الرحى لسنين طويلة فوفرن خبزا ورغيفا وشكرا لمن زرع ولمن حصد ولمن عجن وشكرا لخالقنا وإلى موضوع ثالث بحول الله حول المرأة بعد الموضوع الأول " الماء والخضرة والمعاناة" بمناسبة اليوم العالمي للمرأة .