إن أهميةَ الإعلامِ ودورَه في تأطير وتطوير المجتمع، وتشكيلِ الرأي العام من بين الأمور التي لا يختلف فيها اثنان. وقد تنبَّه الإنسانُ إلى تلك الأهمية التي يتمتع بها الإعلامُ منذ أزمنةٍ عريقةٍ. ولذلك، استعمل إمكانياتِه الإعلاميةِ المتوفِّرة لديه في مختلِف مراحل تطوره التاريخية. ولعلَّ ما أكسبَ الإعلامَ تلك القوةَ والأهميةَ هو كونه وسيلةَ تواصلٍ. والإنسانُ كائن اجتماعيٌّ، أكادُ أجزمُ أنَّه لا يستطيع العيشَ دون تواصلٍ.
لقد أسهمتْ الثورة التكنولوجية والإعلامية التي يعيشُها واقعنا المعاصِر في قلبِ الكثير من الموازين، وتغيير الكثير من المفاهيم. وهي ثورةٌ أضحى معها الإعلامُ أسَّ ركائزِ بناء الدولِ، وأهمَّ مقوماتِ الحفاظِ على تماسكها ووحدتها، وحفظ سيادتها. بل إنها، لأهميتها، أولُ ما يفكِّرُ من انقلب على نظام دولتِه للسيطرةِ عليه، إذ يقصدون الإذاعات والقنوات الإعلامية الرسمية، إلى جانب القنوات الأخرى من جرائدَ ورقية والكترونيةٍ.
تعتبر وسائلُ الإعلام المسموعةِ والمرئيةِ والمكتوبةِ، إذن، من بين أهم مصادر توجيه المجتمع وتثقيفه، وتنويره والتعبير عن همومه وطموحاته.
ولكم كان فرحُنا كبيراً لما بدأت تتناسلُ الجرائدُ الالكترونيةُ في الجنوب الشرقي عموماً، وإقليم تنغيرَ خصوصاً، إذ إنَّ المُدرِكَ لأهميةِ الإعلام التي أشرنا إلى دُرَر منها فيما سبق، يعرفُ مدى أهميةِ كثرةِ هذه المنابر، وقوتِها في التأطير والتوجيهِ والتنوير.
قد نتفقُ ونختلفُ في انحياز بعض المواقع، وخدمةِ بعضها لتوجهات واديولوجيات بعينها.. وقد نتفق ونختلف في عدم تحلي بعضِها بالمهنيةِ في طرحها.. وقد نتفقُ ونختلفُ في قلةِ تجربةِ الأقلام الإعلاميةِ الناشطة في تلك المواقع، وحاجتها للتكوين المستمر.. وقد نتفقُ ونختلفُ في غيابِ خطٍّ تحريريٍّ واضح المعالم تستندُ إليه..
لكننا لن نختلفَ جميعاً أن هذه المواقعَ أصبحتْ نافذةً يُطلُّ منها الجنوب الشرقي أمام ما يتعرضُ له من تعتيم إعلامي رسمي.. ولا نختلفُ جميعاً أنها أسهمت في تكوين الكثير من الأقلام، وتحرير الكثير من المدادِ.. ولا نختلف جميعاً أنها أزعجت الكثير من المفسدين، وناهبي المال العام.. ولا نختلفُ جميعاً أنها أسهمت في تخليق الحياةِ السياسيةِ، وإن كان الأمرُ في بداياته.. ولا نختلفُ جميعاً أنها غيَّرت نمطية العلاقة التي ألِفَت المصالحُ الإداريةُ والداخلية في نسجِها مع المواطن من احتقار وتسلُّط واستبدادٍ.. ولا نختلفُ جميعاً أنها أيقظت المواطنَ، إذ أصبحَ يلجأ إليه لتمرير شكاياته للجهات المعنيَّةِ دون وساطة أو سمسرةٍ..
لَكَمْ كان فرحُنا كبيراً لمَّا بدأتْ هذه المواقعُ تتناسلُ، ويزدادُ عدَدُها وجودتُها، فهي صوتُنا الذي نستطيع به التعبير عن همومنا وتظلماتنا من واقعنا، وتطلعاتنا لغد أفضلَ لمناطقنا المُصنَّفةِ ظلماً في غياهبِ "المغرب غير النافع"..
هي صوتُنا يا سادة وسيداتُ، فهل ترغبون في الصمتِ الأبديِّ؟
لكن، كم كان حزننا شديداً لما بدأ نشرُ غسيلِ صراعات بين منبر إعلامي الكترونيٍّ وأحدِ صحافييه السابقين.. صراعٌ ما كان ينبغي أن يخرج للقراءِ والمتتبعين.. فقد أكَّدت التجاربُ الإعلامية العالمية أن هناكَ إعلاميين كبار غادروا منابر إعلاميةً وازنةً لأسبابٍ ما، قد تكون ذاتية أو موضوعيةً، لكن دون أن يسبَّ أحدهما الآخر، أو ينتقص منه، أو يتهمه..
قد نتفق اليومَ، لكننا قد نختلفُ غداً، فتفترقُ بنا السُّبُلُ دون أن أنتقص منكَ، أو تنتقصَ مني.. مهما كانت أسباب اختلافنا.. هي أمورٌ واختلافات أو خلافاتٌ ينبغي أن تُسَوَّى في الكواليسِ، وبعيداً عن أنظار القراءِ، حتى لا تضُرَّ بأذواقهم، قبل أن تضرَّ بسُمعةِ المتجادلين المتخاصمين..
إنَّ الخاسرَ الأكبرَ من الصراعِ المُثَارِ بين الطرفين المذكورين هو الإعلامُ المحليُّ.. هو نوافذُنا التي نُطلُّ منها.. هو صوتُنا الذي نَصرخُ ونُعبِّرُ به..
وإنَّ الرابحَ الوحيدَ من كُلِّ ذلك هم كارهو صوتِ الحريَّةِ!
وإنَّ إعلامَنا، يا سيداتُ وسادةُ، يحتاجُ إلينا جميعاً؛ كُتَّاباً وقُرَّاءً ونُقَّاداً... من أجلِ إعلامٍ مواطِن يخدُمُ مصلحةَ الأغلبيةِ الصامتةِ..
إنَّ إعلامَنا، يا سيداتُ وسادةُ، يحتاجُ إلينا جميعاً أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى! فلنكفَّ عن الصراعاتِ الجانبيةِ.. ولننظرْ لما يجمعُنا.. ولننظرْ مصلحةَ مغربِنا العميقِ، فبِنَا جميعاً يكون "عميقاً في تنميَّتِه وتطوره"..