لحسن ايت الفقيه - جديد انفو / متابعة ( الصورة من الارشيف)
يمكن القول، إن الحق في الولوج إلى الصحة بإقليم الرشيدية نشأ ينهار تدريجيا، أو على الأقل، لم يستقم على نمط حديث في التسيير والتدبير والتجهيز والآداء. إنه حكم غير مؤسس على خبرة، بما هي تفيد معرفة بواطن الأمور، ولكن مؤسس على علم، بما هو معرفة الأمور ظاهرها ولو بالأمثلة. ولئن كان التعامل بالأمثلة لوصف ظاهرة ما يفيد العجز في التحليل، فإن تقديم المثال مؤشر على الظاهرة، إن لم يكن كافيا للإدلاء بالشهادة التي تحصل في حدود العلم، لا في حدود الخبرة.
المثال الأول، وقد سلف إفضاؤه بالنشر، يشكل منطلق الانتباه لما شاء الواقع أن يجند جثة الهالكة أسماء اسماعيلي علوي، المزدادة بقصر (دوار) صوصو سنة 1996، لما لاقتها الموت هي ومولودها يوم الأحد 13 من شهر دجنبر من العام 2015 لترسم تاريخا آخر يُرد إلى اندراس حاضرة سجلماسة التي حلت محلها الريصاني ومحيطها، وحل الإهمال محل الازدهار. لن نشهد إلا بما علمنا مستفرغين السجل الصوتي المضمن لشهادة شاهد من أهلها، وفي ذلك مثال حي، وإن لم يرق إلى مستوى الخبرة، فهي يكفي للاستشهاد، في حدود العلم. وقبل ذلك خاض سكان مدينة الريصاني وقفة احتجاجية يوم الجمعة 18 من شهر دجنبر من العام 2015 منددين بالوضع السيء بمستشفى الريصاني. ولئن كانت الرواية الواحدة والوحيدة غير كافية لاستقصاء الخبر فإن بسطها، من وجهة نظر المشتكي وحده، قد تنير بعض معالم أهوال الإهمال واللامبالاة، التي تؤدي المرأة والطفل ثمنها:
«عمر أختي يوم هلاكها 19 سنة وأربعة أشهر، تزوجت في السن المطلوب، ولم تكن قاصرة»، تقول أخت الهالكة بمنزل أبيها بقصر (دوار) صوصو المحاذي لمدينة الريصاني. نعم «إنها توفيت بالإهمال، ولقد رافقتها مشيا على الأقدام إلى المركز الصحي بالريصاني، وأصرح أنها كانت مواظبة على التردد على الممرضين منذ الأشهر الأولى من الحمل، وكانت استفادت من بعض النصائح والمراقبة، ولم يُر [فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة] عليها أي مرض وفق تصريح الدكتور العوني»، يضيف زوجها الذي هاجر من مركز الجرف إلى الريصاني بحثا عن العمل كمياوم ليضمن بعض الشروط لزوجته، كالولوج إلى الحق في الصحة عن قرب، في أحسن الأحوال! «لقد لمسنا من المولود (الأنثى) أثار الرضوض والتشوه (انظر الصورة) لما أسقطت أرضا بالعنف. لقد اكتمل نموها في رحم أمها، وكان من المفترض أن تخرج إلى الحياة بشكل طبيعي سليمة من كل بأس» تقول أخت الهالكة. « إنهم لم يبينوا في التلفزة صورة جثة المولودة، ولم يبينوا شهادة طبيب الريصاني، بل فتحوا المجال أمام طبيب بالرشيدية، ليواجه الإعلام المرئي المقتضب» يضيف الزوج. ولأن الإعلام المرئي يخضع للتصرف فضل الزوج أن يبدأ من حيث يجب البدء: «خرجنا من المنزل ابتداء من الثانية بعد الزوال من يوم الأحد أي: بعد تناولنا طعام الغذاء، ولم يُر على الزوجة أي وقع للآلام…». ولأن أخت الهالكة قاطعت الزوج، ولم تسمح له بمواصلة الكلام، لا لشيء سوى أنها عاينت أن استحوذ عليه الحزن وامتلأت عيناه من الدمع ولم يقدر، تحت وقع الخجل، أن يستفرغ الدمع بالبكاء، ولا على الاسترسال في الحديث، فكان لزاما الإنصات للأخت: « لقد مكثنا بعيدا بالمركز الصحي، من الثالثة عصرا إلى الخامسة من يوم الأحد [13 من شهر دجنبر من العام 2015]، لم نلف بالمركز من يتحدث معنا عدا الحارس. ولقد استعطفت الحارس [العساس] لما تبين أن سائلا ينزل من أختي، وأن ذلك من علامة المخاض، حسب تجربتنا في الوضع. أخبرني الحارس أن السيدة الطبيبة المكلفة سافرت إلى مدينة الرشيدية، لكنها تركت من ينوب عنها، وسأتصل بها، عساها تقوم بالمطلوب وتحقق المراد. ولقد فعل ولم تجبه السيدة النائبة، فنشأت أمي تبكي متأثرة بالفشل الذي حالفنا. هنالك دلّ الحارس زوج أختي الهالكة على منزل ممرضة، قال إنها ذات تجربة في الريصاني، وذات أخلاق حسنة، أملا في تقديم المساعدة. واشترط منه – الزوج- ألا يُعلمها وألا يذكره عندها خوفا من اللوم. طرق الزوج باب البيت المقصود ولم يجبه أحد، وطرق باب المنزل المجاور فخرج رجل يواجه الزوج، ومن رافقه بوابل من اللوم، لأنه من العيب دق أبواب رجال الصحة العمومية يوم الأحد». ويبدو أن حارس المركز الصحي بالريصاني دلّ الزوج عن قصد، لا عن غفل أو تغافل، على منزل الطبيب. «لقد بدأ يسبني أنا ووالدتي» يقول الزوج، إذ قال لي:«إن هذا المنزل ملكي الخاص ولا يحق لكم التردد علي لإزعاحي». ولما حضر بالمستشفى تبين أنه طبيب وبدأ يلوم الحارس متهما إياه بأنه هو الذي أراه المنزل. وأقسم «أقسم بالله أن الحارس دله فقط على منزل السيدة الممرضة»، تضيف الأم مسترسلة أنها اتصلت بالمستشار الجماعي الذي نادى ممرضة قصد المساعدة، ولكن ثبت أنها لم تحضر. والذي حدث أنه حصل بعد قليل أن «حضرت ممرضة صغيرة، ممرضة متدربة بالمركز الصحي صحبة سائق، وفور دخولها نشأت تصيح [علاش برزتوني ! وأنا ما عندي شي خدمة! وانا ما عندي خدمة! يالله تحركي]، قلت لها مهلا أختي الممرضة لا تعنفي السيدة [بشوييا اختي مرا مازالا قاصر] قالت لي: [برا عافاك] أي: انصرفي إلى خارج قاعة الولادة! اتصلي بزوجها ليحضر لنا الغطاء والملابس» تضيف أخت الهالكة. «إنها ممرضة متدربة، جرّت أختي إلى قاعة الولادة. وعقب ذلك حضر معها ممرضتان [ذكرتهما بالاسم] وخادمة في مجال النظافة». وأضافت «لما قضيت لهن بعض الأغراض، اشتريت أكياسا من البلاستيك، وجدت إحداهن تضرب أختي بعنف، قلت لها: ساعديها من فضلك، إنها غير ذات تجربة في الوضع. أخرجتني من القاعة، [شفتهم تايعطيوها التصرفيق على رجلها، كل شي كايغوت عليها خمسة تجمعوا عليها]»، وأضافت الأم أنها سمعت صوت العنف. واصلت أختها الحديث «اتصلت إحدى الممرضات بالطبيب ليحضر، بعد أن تعذر عليهن توليدها، أخرجت [فعل ماض مبني للمجهول بصيغة المتكلم] من المستشفى، وسمعت صيحتها. صاحت صيحة واحدة، ثم سكتت وسكنت بعد ذلك، قلت في نفسي: إنها وضعته. دخلت عليهن، على حين غفلة، فوجدت امرأة [ليست بممرضة] صاعدة فوق بطنها ضاغطة عليها. لاحظت أن أختي تنفث دما، ونشأت أصيح: ماتت! لقد ماتت! ماتت! أخرجوني من القاعة ليدل عقب ذلك الطبيب. ولقد كتمت سرا على أمي لأنها مريضة بالسكاري، أفصحت لها، بالباطل، أن أختي تخلصت من الحمل [تفكات]، خرجت إحدى الممرضات لتأمرنا بأن نحضر لها طعاما، انتظرنا عقب ذلك ساعة ونصف حتى فقد الطعام سخونته. هنالك خرجت ممرضة أخرى لتخبرني أن نزيفا لحقها، وظننت أن النزيف باللغة الفرنسية هو الدواء، وأفصحت أن النزيف لا يعالج بالريصاني، وأن عليك إخبار أبيها لينقلها بسيارة الإسعاف إلى الرشيدية، وأما المولودة التي وضعتها فقد أغمي عليها، عندها فهمت المعنى الصحيح. ولقد تأخر حضور سيارة الإسعاف أكثر مما ينبغي، ولما أخرجت من قاعة الولادة عاينتها تنفث دما وكأن السماء تمطر»، ودون الاسترسال في الرواية فارقت السيدة الحياة بين أرفود والريصاني، لكن الناقلة واصلت سيرها إلى الرشيدية، وفي اليوم الموالي توفيت المولودة.
يستنتج من هذه الرواية التي أذاعتها أيضا قناة المغرب الثانية مقتضبة، وإن كانت أحادية البعد ما لم تردف برواية الممرضات، ما يلي:
– ضعف الموارد البشرية المؤهلة بمركز الصحة بالريصاني.
– سوء التواصل بين إدارة المستشفى والمواطنين.
– صعوبة المعلومة ذات الصلة بالصحة من ذلك ما يتصل بالمداومة
والمسؤولين عنها.
– توظيف غير المؤهلين للقيام بدور صعب من ذلك الممرضات المتدربات.
– سيادة الإهمال لتكرار حالات الوفاة بالتدبير السيء للوضع بالريصاني.
المثال الثاني كاف ليقيم شهادة على وضع طفل، في سن السابعة من عمره، تعرض للكسر في يده، وقدم من مركز ملاعب بمنطقة كلميمة منقولا بمساعدة أبيه إلى مستشفى مولاي علي الشريف صباح يوم الجمعة 08 من شهر يناير من العام 2016، وإلى حدود يوم الثلاثاء 12 من شهر يناير من العام 2016 تعذر عن الطفل الولوج إلى الصحة. ومنذ دخوله المستشفى وهو يعاني من الإهمال لغياب الطبيب المختص أو لعدم وجوده. والغريب في الأمر أن أبوه لم يخبر بأي شيء في شأن ابنه، ولو تبيّن من طول الانتظار لوجه ابنه إلى مكان آخر للعلاج. ولقد حدث أن انتفخت يد الابن، مما يندر بحصول الأسوأ في المآل. ولقد تعذرت معالجة صعوبة الولوج إلى الصحة بالتفاوض، رغم استعطاف السيد المدير وبعض الممرضين ليؤكد أحدهم أنه سجل التغيب المستمر للطبيبة المختصة بجراحة الأطفال، بمستشفى مولاي علي الشريف بالرشيدية. ولا غرو فمستشفى مولاي علي الشريف يشكو من بعض التخصصات، من ذلك أمراض القلب والشريان وجراحة الأطفال. ولتجاوز هذا المشكل يجري تنظيم قافلة طبية والاستعانة بأحد الأطباء من مدينة ورزازات، يأتي عند الضرورة يوم السبت فيخفف عن المستشفى بعض المعاناة. وفوق ذلك، لم يجر التوزيع العادل للتخصصات الطبية بجهة درعة تافيلالت، وأن إدارة المستشفى تعاني من مشكل الاكتظاظ والنقص المستفحل في الموارد البشرية مما ينجر عنه التسيير السيء للأداء الطبي.
المثال الثالث يشهد على شخص استؤجر لجني الزيتزن في إحدى الضيعات الزراعية بقصر (دوار) أولا الحاج بمحيط مدينة الرشيدية، وكان أن تعرض للحادثة يوم السبت21 من شهر نونبر من العام 2015، وأصيب في رجليه، ومن حسن حظه أنه نقل على وجه السرعة، بواسطة سيارة الإسعاف إلى مستشفى مولاي على الشريف بالرشيدية، وعرض على الجراحة العامة، ولم يجر جبره، لا لشيء سوى أن مشغله تدخل ليخرجه بطرق لا يعلمها إلا أهل الرأي. ولقد ابتغى المواطن الولوج إلى المستشفى لجبر كسوره، فلم يتوفق، للآن، لحصول معجزة مفهومة. ذلك أنه إذا تمكن من ولوج المستشفى فسيحصل على شواهد طبية تمكنه من متابعة مشغله.
المثال الرابع: قدمت امرأة حامل إلى المركز الصحي بقصر دوار إكلي لوضع مولودها الذكر أو الأنثى، لا يهم، وأدخلت إلى قاعة الولادة يوم الإثنين 18 من شهر يناير من العام 2016. ولما اشتد آلامها وقوي وجع مخاضها أخرجت من قاعة الولادة. وليس يضير الممرضة التي أقدمت على هذا الفعل لأن وقت مكوثها في الدوام المهني انتهى، وعلى من يعوضها- إن وجد- القيام بالواجب. فهل هي مدعوة لاستقبال كل امرأة في المخاض ليل نهار؟ أو ليس من حقها التمتع بقسط من الراحة؟ أو ليس من حقها الانتقال إلى شمال المغرب؟ وكانت منذ مدة ترغب في ذلك، حسب ما بلغ إلى علمنا. ما ذنب هذه الممرضة التي عينت في منطقة تطرد سكانها للهجرة، وتطرد الموظفين؟.
إنها أمثلة فقط، لا نقول إنها تحيط علما بالطاهرة لكنها مؤشرات انهيار الخدمات الصحية بإقليم الرشيدية، بالعوامل التالية:
– الخصاص في الموارد البشرية المؤهلة.
– أزمة التسيير الإداري بعد انتحار المندوب الإقليمي في بحر شهر يناير من العام 2014، لغياب من يخلف بالفعل لا بالنيابة.
– الإقليم منطقة طرد للموظفين لوقوعه فيما كان يسمى من قبل المغرب غير النافع.