سلوى بن لفقيه/ جديد انفو

يخلد المغرب على غرار بلدان المعمور اليوم العالمي للمسنين الذي يصادف فاتح أكتوبر من كل سنة، ليطرح السؤال مجددا عن واقع حال المسنين بالمغرب و عن وضعيتهم النفسية و الاقتصادية والاجتماعية  و الصحية  وعن مآلهم و مستقبلهم لا سيما إذا علمنا أن  أسهم الشيخوخة أصبحت ترتفع بشكل متسارع .

 فحسب  المندوبية السامية للتخطيط واستنادا  على نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014 فقد تطور الهرم السكاني للمغرب ما بين 2004 و 2014 ، حيث يمثل الأشخاص البالغون  من العمر 60 أو أكثر 9,6% من مجموع السكان، مقابل 8,1% سنة 2004، أما من حيث الحجم، فقد انتقل عددهم من 2,376 مليون نسمة سنة 2004 إلى 3,209 مليون نسمة سنة 2014، وهو ما يمثل زيادة نسبية قدرها 35% خلال هذه الفترة (2004-2014)، وبلغ عدد المسنين في المغرب إلى حدود سنة 2020، 4 ملايين مسن تتجاوز أعمارهم 60 سنة، منهم 8 %تتجاوز أعمارهم 75 سنة، فيما توقعت المندوبية احتمال أن يصل عددهم سنة 2050 إلى أكثر من 10 ملايين شخص مسن، ما سيشكل نسبة حوالي 23 %من السكان.

وحسب المسح الوطني حول السكان وصحة الأسرة المنجز من قبل وزارة الصحة سنة 2018 فإن 56.8%  من المسنين هم من فئة 60 - 69 سنة و 43.2 % هم من فئة 70 سنة فأكثر،بينما تبلغ %67.3نسبة الأشخاص المسنين الأميين  ، وان نسبةالأشخاص المسنين المصابين بمرضواحدعلى الأقل من الأمراض المزمنة بلغت   64.4%و أدلى 44 % من كبار السن أنهم يعانون من الاكتئاب معظم الوقت، و 65.6 % يعانون من القلق حول حالتهم الصحية، و 38.5 % لديهم خوف من الوحدة، في حين أوضح حوالي 54 % أن لديهم مخاوف من عدم توافر رعاية صحية مناسبة، بينما صرح حوالي 45 % أن لديهم مخاوف من عدم توفير رعاية لهم مستقبلا وبحسب التقرير  الوطني السنوي  الأول للمسنين و الذي أصدره المرصد الوطني للمسنين سنة 2018   فإن نسبة المسنين المستفيدين من معاشات النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، وخدمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سنة 2016 لا يتجاوز 13.8 %،وهذه المعطيات أكده تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المتعلق بوضعية الأشخاص المسنين لسنة2015 بحيث أنّ 1 من أصل 5 فقط من الأشخاص المسنين يستفيدون من تغطية اجتماعية وطبية، وأنّ معظمهم يتعذّر عليهم الولوج إلى العلاجات، إضافة إلى تزايد تبعيتهم البدنيّة والمالية،

هذه كلها أرقام و إحصاءات تسائل المهتمين والمشتغلين  بحقل الأشخاص المسنين و توضح عدم الاهتمام البالغ بهم مقارنة بفئة الشباب ،حيث لم تنل فئة المسنين الحظوظ الوافرة في الأبحاث العلمية أو حتى الأنشطة الموجهة لها ،حيث تعد السياسة الخاصة بالأشخاص المسنين في المغرب جديدة و تسميتها لم تظهر إلا في أبريل 2002 ضمن التقرير الوطني حول الأشخاص المسنين بإشراف وزير التشغيل و التكوين المهني والتنمية الاجتماعية و التضامن آنذاك .وفي سنة 2009 سيتم  الإعلان عن الإستراتجية الوطنية للأشخاص المسنين وحاليا يتم الحديث عن سياسة مندمجة تستند على خمسة محاور : تعزيز المشاركة السياسية والاجتماعية والثقافية للأشخاص المسنين؛ النهوض بالرعاية الصحية، الحماية الاجتماعية توفير بيئة تمكينية داعمة؛ تعزيز وتطوير المعرفة والنهوض بالمجال التشريعي , وقد تم إحداث المرصد الوطني للأشخاص المسنين سنة 2016 ، الغاية منه تطوير المعرفة بأوضاع الاشخاص المسنين بالمغرب ،تقدر  وضعية الأشخاص المسنين داخل مجتمع ما بحسب درجة انعزالهم و يدخل في هذا الإطار الحالة العائلية ،شبكة المؤهلات ،الزيارات  الاجتماعية المتكررة  ،ثم حسب الاستقلالية المادية وتتضمن العمل السابق ،المداخيل ،مستوى الرعاية الاجتماعية ، وجود رعاية قانونية،و أخيرا حسب نمط الحياة وتتجلى في ظروف العيش، مستوى السكن المساعدات في التنقل، القرب من الخدمات الأساسية,

وقد كانت العائلة المغربية التقليدية توفر نوعا من الرعاية و الحماية لمختلف الأعمار كما توفر علاقات اجتماعية إنسانية واسعة ،فذلك يظهر جليا في حالة الأشخاص المسنين ،فقد كان كبار السن يحظون بالاحترام والتقدير و يتبوؤون المكانة الاجتماعية العالية بين أفراد الأسرة وغالبا ما يحاطون بالعاطفة، ويمثل النموذج الهرمي السائد تراتبية و أولوية الشيوخ و الكبار عن الصغار، ،إذ أن السلطة في العائلة ترتبط بالسن   فتمتع كبار السن بمركز ريادي في الاسرة والمجتمع نابع أساسا من أن " التقدم في السن مفتاح لإدماج الفرد داخل الفضاءات العمومية للسلطة"،فكلما ارتفع السن كلما زادت قيمته و ارتفعت مكانته ،و يعتبر الشيخ القائد الأعلى للأسرة ، فهو من  يتخذ القرارات الحاسمة وهو من يعين حقوق وواجبات كل فرد ،بالإضافة الى أنه ملجأ لحل النزاعات و الصراعات العائلية أو القبلية ، في حين تحتفظ النساء  المسنات بأخذ القرار داخل الأقطاب العاطفية و الأخلاقية فهن من  يقمن بمهمة نقل التقاليد و المعارف.

وفي ذلك تشير رحمة بورقية إلى أن أهم  قيمة كانت  سائدة داخل التنظيم العائلي المغربي هي قيمة الخضوع لسلطة الأبوين  من خلال  "الرضا" la bénédiction parentale   وهي قيمة أخلاقية  يدعمها الوالدان و المعتقدات و التمثلات الجماعية تقوم  بوظيفة  الحفاظ على التماسك العائلي عبر الزمن فواجب مساعدة الأبناء لآبائهم المسنين هو ضمنيا موجودة في سياق البحث عن رضى الوالدين الذي يرافق الفرد طيلة حياته، فجميع الأبناء يتسابقون لتقديم الأفضل من اجل تجنب العقوق "السخط"  le bannissement ،وتبرز الى انه نادرا ما يتعرض الأبناء ل"سخط" الوالدين نظرا لان هذا الفعل يعاقب عليه الله و العائلة و المجتمع ،وهو  الأمر الذي يؤيده  محمد شقرون بقوله "إن قوة الوالدين داخل القرابة الأولية  لا يمكن تفسيرها إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار القوة المعنوية ذات الركيزة الدينية التي توجه سلوك الأطفال. إن ثواب الإله مرتبط بالوالدين –الأب و الأم-وكل مخالفة لهما تعتبر مخالفة لما امر به الله " ،وقد عرفت الأسرة المغربية الحالية جملة من التحولات أهمها الانتقال من الأسرة الموسعة الى أخرى نووية ،وذلك نظرا لتوافر شروط اقتصادية واجتماعية لم تكن معروفة من قبل : كظهور العمل المأجور، تراجع الاقتصاد العائلي، تراجع الملكية الجماعية، خروج المرأة إلى العمل، انتشار التعامل النقدي، توسع اقتصاد السوق وبروز مجتمع الاستهلاك الجماهيري و كلها  عوامل أدت  الى بروز الفرد  داخل الأسرة و أعادت بناء العلاقات القائمة داخلها وكان لها بالغ الأثر على الأشخاص المسنين من خلال فقدانهم لأدوارهم التقليدية داخل الخريطة الأسرية .وهذا ما عبر عنه تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المتعلق بوضعية الأشخاص المسنين لسنة2015 حيث   ابرز على ان التكفل فيه بالأشخاص المسنين  داخل الإطار العائلي أصبح مهدَّدا،ووفقا  فإن هذه الفئة تتميز بهشاشتها داخل مكونات المجتمع المغربي وبصفتها فئة غير متجانسة،إلا  أن هناك فئة لم تحظى بالأولوية  ضمن خانة الاشخاص المسنين وهي الاشخاص المسنين المقيمين بمؤسسات الرعاية الاجتماعية ،ويبقى السؤال العريض ما مآل المسنين في المغرب وسط تنامي الفردانية المجتمعية وفي ظل اقتصاد لا يأبه بالمسنين ،ومنظومة صحية هزيلة  ؟ وفي واقع اصبح المسن عبئا على الاسرة ،على المجتمع ،على الدولة؟ وأخيرا وليس اخرا هل سيصدق رئيس الحكومة الجديد  وعده في الاهتمام بالأشخاص المسنين أم أنهم ورقة انتخابية لا غير؟