جمال أمدوري
 
على امتداد التاريخ البشري، عكست الهجرة رغبة الأفراد في تخطي الظروف الصعبة والهروب من الفقر وبدء حياة جديدة قد تضمن لهم الحق في العيش الكريم، فالكثير من الشباب على اختلاف مستوياتهم ممن يعانون من الفقر و التهميش، لا يتوانون عن تقديم أنفسهم قربانا لشبكات مختصة في تنظيم الهجرة إلى الفردوس الموعود.
 
الموقع يتابع عن كثب موضوع غرق قارب صيد الأربعاء 25 ماي 2016، بالسواحل الايطالية و الذي كان يقل على متنه أزيد من 700 شخص من جنسيات مختلفة منهم مغاربة من مدن الدار البيضاء الفقيه بنصالح وقلعة السراغنة وبني ملال وقلعة امكونة ... دفعوا ما جاد به عرق جبينهم لرحلة مجهولة المصير، علها تساعدهم على ملامسة السراب الاوروبي.
الرسالة الأخيرة... تأبين ومتمنيات بحياة سعيدة
 
"طريق السلامه أخي ... اسأل الله أن يوصلك سالما لم يتبق إلا القليل وسنسمع عنك الأخبار الطيبه" لم يكن يدري الشاب الليبي "أحمد الخال مورو" أن رسالته التي تركها لأًصدقائه من أبناء قلعة امكونة على حائطهم في موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" ستكون آخر رسالة يقرؤها الناجون منهم، بعد أن انقطعت أخبار بعضهم منذ الـ 25 ماي الماضي، أي منذ اليوم المشؤوم الذي اختاروا فيه مغادرة التراب الليبي في اتجاه الحلم الأوروبي، على متن قارب صيد مكون من ثلاثة طوابق وبه أزيد من 700 مهاجر سري من جنسيات مختلفة.
 
"أحمد الخال مورو" وباقي أًصدقاء الناجين والمفقودين في حادث غرق قارب الصيد في السواحل الإيطالية بعد أن فقدوا الأمل في سماع أخبار سارة تفيد بنجاة أصدقائهم خاصة المفقودين منهم، لم يجدوا بدا من الترحم على المفقودين ومواساة الناجين على "الفايسبوك" متمنين لهم حياة طيبة في إيطاليا التي ﻻ تطرد المهاجرين الذين ينجحون في الوصول أحياء إلى برها اﻵمن.
 
الحاج بوابة الحريك ... والطريق الى الموت
 
" الكلام حول موضوع الحريك في ليبيا ب"العلالي" خصوصا في زوارة وصبراتة أمر عادي جدا فكل الناس تقريبا هنا يتعاطون هذه "الحرفة" هكذا حكى لنا أحد الناجين – فضل عدم ذكر اسمه - من أبناء قلعة امكونة، مضيفا أن "الحريك" عند الليبيين يعتبر ثاني مورد لهم بعد النفط، وأنه يكفي فقط أن تشتغل لدى أحدهم في "الجبص" أو "تبنايت" حتى يعرض عليك الاشتغال مقابل أن يسهل عليك عملية العبور الى الضفة الأخرى أو يوصلك الى مكان "الحاج" المعروف هناك بشبكته المتخصصة في الهجرة السرية إلى "الجنة الإيطالية".
 
بعد أن يقوم وسطاء "الحاج" بتجميع المرشحين للهجرة السرية في مكان يسميه "الحراكة" بـ "الخزين" والذي يمكثون فيه شهرا أو شهرين أو أكثر حسب حالة البحر التي تضمن "للحاج" و لقاربه السلامة كي لا ينال منه منافسوه في سوق "لحريك"، وبالتالي فالحاج يكلف دائما من يقوم بمهمة مراقبة حالة البحر وينتظر الضوء الأخضر منه وما على المهاجرين إلا انتظار مزاج البحر حتى يهدأ ويسمح لهم ببداية مجازفة الموت أو معانقة حلمهم الأوروبي.
 
ليلة العمر وموعد مع الالديرادو
 
"طيلة مكوثنا في "الخزين"، يتكلف الحاج وأعوانه بأكلنا وشربنا لكن السجائر والتعبئة نحن من نشتريها من مالنا" يضيف أحد الناجين، تواجدهم ب"الخزين" قد يقصر أو يطول، لكن الكل ينتظر الليلة الموعودة، ليلة كل حالم بغد أفضل، انتظار يتحول الى كابوس ينهي حياته وسط البحر.
 
الحاج يأمر خُدامه بأن يجهزوا المهاجرين فهذه الليلة سيتم شحنهم كالسلع في قوارب صغيرة ستبحر بهم 20 كيلومترا عن شاطئ صبراتة، هناك سيجدون قاربا كبيرا للصيد مكونا من ثلاثة طوابق يقوده شخص غالبا ما يكون مصريا أو تونسيا فالليبيون لا يخاطرون بأنفسهم، بعد ذلك يضيف أحد الناجين، "كيستفونا بحال شي سلعة واحد حدا واحد وكنتزاحمو باش كل واحد يلقى فين اجلس".
 
صمت يعم المكان وترقب لما قد سيحدث في أية لحظة، الكل يتلو الشهادتين على اختلاف لغاتهم، لا صوت يعلو فوق صوت البحر، أمواج ترتطم بين الحينة والأخرى بالقارب المهترئ، معلنة أنها فعلا رحلة العمر، " الابتسامة غابة عن وجوهنا، وجوه "الحراكة" توحي بأنهم نادمون على ما فعلوه، لم يكن الأمر كما تصورناه، كيف لـ 700 شخص أن تعبر الى الضفة الأخرى في قارب صغير وبه ثلاثة طوابق"، بهذه الكلمات اختصر أحد الناجين مغامرتهم التي بدأت من سواحل صبراتة الليبية على الساعة الثالثة صباحا من يوم الاثنين 23 ماي.
 
مر الوقت بسرعة وبدت للمهاجرين أضواء سفن حرس السواحل الإيطالية وبدا الكل مستعدا ومتحمسا ليلقى عليه القبض، فهؤلاء أرحم بالنسبة لهم..اقتربت منهم سفن النجاة، وبدؤوا بإخلاء القارب من الاطفال والنساء، "عملية الاخلاء شابتها مجموعة منها المشاكل، ما أدى الى انقلاب القارب بفعل التدافع بين المهاجرين وتكدسهم في أحد جوانبه " يضيف رشيد وهو من أحد الناجين، " حاول حرس السواحل الايطالية مساعدتنا على مغادرة القارب، لكن من كانوا في الطابق الأول والثاني كان الوصول إليهم جد صعب لأن فتحة القارب المتجهة للطابقين صغيرة جدا، ولأن الماء بدأ بالتسرب الى القارب مما قضى على فرصة نجاة صديقاي حسن ورشيد الله ارحمهم".
 
عائلات مكلومة ولسان حالها يقول "الله اسمعنا خبار الخير"
 
"لا نعرف لحد الآن مصير أبنائنا، هل ماتوا أم أنهم لازلوا على قيد الحياة؟ لازلنا ننتظر .. الله اسمعنا خبار الخير" يحكي والد أحد المفقودين للموقع وكله أمل في أن يسمع خبرا عن فلذة كبد، فالأب المصدوم لازال يتشبث بذلك الخيط الرفيع من الأمل لعل ابنه المفقود ضمن المنقذين من الغرق الذين تم إسعافهم و اقلهم إلى المستشفيات أو الخيريات الايطالية.
 
عائلات مكلومة تترقب أي جديد عن فلذات كبدها، وأخرى تنفست الصعداء بعد أن تمكنت من التواصل مع أبنائها الذين عبروا بسلام إلى الضفة الأخرى.
 
أم إحدى الناجين تحكي للموقع والدموع لا تفارق عيناها، كيف أن إشاعة وفاة ابنها الوحيد غرقا كادت تودي بحياتها وهي المريضة بالسكري، " لعيلات فالدوار كيقول لي بلي ولدي مات ومتيقتش حتى هضر معايا راه داك الولد هو لي عندي".
 
صمت رهيب يخيم على دواوير منطقة أيت ايحيا، حيث عائلات المفقودين، الكل حزين يترقب أي جديد عن مفقودي الأربعاء الأسود، فكثيرون لم يستوعبوا بعد خبر فقدان أبناء من منطقتهم غرقا في البحر، الكل ينتظر وحال لسانهم يقول "الله اسمعنا خبار الخير"، الكل يسأل دون الوصول إلى أجوبة تشفي مرارة الواقع.
 
حراك سابق ... "مكاين والو فالطاليان"
 
رضوان(اسم مستعار) شاب من قلعة امكونة اختار سنة 2014 أن يغامر هو الأخر بحياته من أجل معانقة حلمه الأوربي، نجح في ذلك عن طريق "الحاج" الليبي الذي ضمن له مكانا في قارب حمل على متنه 450 مهاجرا سريا، بـمبلغ 1600 دينار ليبي أي ما يعادل مليون سنتيم مغربية، "وصلنا المياه الدولية على الساعة العاشرة ليلا، وكنا ننتظر آنذاك أن يتم القاء القبض علينا من طرف خفر السواحل الايطالية، فالحاج أخبرنا أنهم لا محالة سيؤتون من أجلنا" يقول رضوان.
 
مضيفا أن السلطات الايطالية قامت بنقلهم الى خيرية بجزيرة "لامبيدوزا" وقاموا بمعاملتهم معاملة طيبة وقدموا لهم الأكل والملابس ومكثوا بتلك الخيرية ما يزيد عن أسبوع بعد ذلك تم نقلهم على متن قارب أخر الى جزيرة "صقلية" ومن تم الى محطة للقطار وهناك أخلوا سبيلهم وطلبوا منهم أن يبحثوا عن مأوى لهم، لتبدأ معاناتهم وسط شوارع ايطالية.
 
"كنا أزيد من 70 شابا وشابة كلهم مغاربة، قاسينا البرد، حيث كان الطقس جد بارد في شهر أبريل، انتظرنا القطار كثيرا لنستقله الى مدينة "باليرمو" لكن دون جدوى فقررنا أن نصلها مشيا على الأقدام لمدة 30 كيلومتر"، مضيفا أن الايطاليين كانوا يرمقونهم بنظرات حقد لكونهم مجرد "حراكة"، لم يكن أحد يهتم لتوسلاتهم لنقلهم الى تلك المدينة، إلا أن صاحب شاحنة رأف لحال البعض منهم وسمح لهم بركوب شاحنته التي كانت متوجهة أيضا الى "باليرمو".
 
هكذا بدأ قصة معاناتهم في شوارع تلك المدينة، "كنا كنقلبو على لكراطن غير باش نعسو فوقهم ونتغطاو بهم مكاينش لي اعتقك" يقول رضوان، مشيرا الى أنه ولحد الآن لم يستطع الحصول على أوراق الاقامة ويتنقل فقط بين أوراش البناء حيث يشتغل، "مكرهتش غير نرجع لبلادي مابقيت بغيت والو، حتى هاد الناس د الطاليان مبغاوش اعاونونا نمشيو للمغرب" يضيف وصوته كل حسرة على ما وصل إليه حاله.
 
200 مغربي ولا بيان ولا توضيح رسمي
 
أسبوعان مرت على انقلاب القارب الذي يقل على متنه أزيد من 200 مغربي، لم تحرك السلطات المغربية ساكنا، لا السفارة المغربية بليبيا تدخلت ولا نظيرتها بايطاليا، حتى وزارة الخارجية التي كانت تخرج علينا كل ساعة ببيان عن عدد المفقودين والمتوفين في حادث التدافع بالحج، لم تكلف نفسها، السؤال عن المغاربة المفقودين هناك، لا بيان لا توضيح، حتى عائلات المفقودين لم يرأف أحد لحالهم ولو برنة هاتف للسؤال ولا حتى رسالة مواساة، لا شيء من هذا كان لحد الآن.
 
8 مهاجرين سريين هي حصيلة أبناء قلعة امكونة وبومالن دادس المتواجدين بالقارب، اثنان منهم مفقودان لحد الآن، و6 منهم نجوا بأعجوبة وعانقوا ما ظنوه حلما أوربيا، ثمانية مهاجرين سريين حصيلة ليست بالهينة مع ذلك لم تكلف السلطات المحلية بقلعة امكونة ولا السلطات الاقليمية بتنغير عناء السؤال عنهم ولا مساعدة ذويهم على الوصول الى أي معلومة تفيد أنهم لازالوا على قيد الحياة أم فارقوها، وحال لسانهم يقول "غدر الوطن أشد وأمر من غدرك يا بحر".
 
الصورة لمخزن الحاج بليبيا

 

 بالفيديو .. أهالي المهاجرين المفقودين يطالبون بانتشال الباخرة ويؤكدون تواجد أبناءهم داخلها :
 
 
شبان مغاربة على متن المركب قبل غرقه بدقائق : 
 
 
 
مهاجر ملالي يحكي كيف غرق المركب بمئات المهاجرين بينهم مغاربة :
 

المصدر: لومكون