زايد جرو - جديد انفو / متابعة
رمضان بالجنوب الشرقي نهاره حار وطويل لطبيعة المنطقة ، تتهالك الناس باللهيب في المكان صيفا وبالبرودة شتاء وهم رابضون فيه ،يتحملون كل شيء من لساعات الناموس والذباب حتى لسعات العقارب والأفاعي ، حين تشتعل القيلولة يتزاحم أهالي إغرمان أو القصور من الرجال والشباب بعتبات الأبواب الطينية أو بداخل الدروب الطويلة المظلمة التي لا تسمع فيها غير طنين أجنحة ذباب " غليظ" وثقيل والذي تحاول إبعاده ب "نشاشة" صنعت من سعف النخيل أوصنعت من ذنب عجل أو بقرة لكنه عبد ملحاح يعود ويعود ليبحث عن قوته من أنفك او إبطك أو عينيك، يمد خرطومه الطويل وتحس بالألم وتبعده من جديد وتبقى في حرب معه لمدة طويلة وتحاول اصطياده فتفعل ،وتجد كف يدك مملوءا به قد تصطاد أربعة أو خمسة أو أكثر ضربة واحدة، وتفركها جميعا لتجد يدك احمرت بدمها ،وتحك عينيك وتنام لبعض الوقت ولا مشكل لتوقظك مجموعة أخرى أشد إلحاحا منها وهكذا تمر قيلولتك حتى صلاة العصر.
رمضان بالجنوب الشرقي وفي القصور التقليدية صعب وشاق لكن طابعها خاص ومميز، فلا المدينة تنسيك طعمها ولا المكيفات تستطيع محو الكثير من ذكرياتك بها فكل المغتربين يشدهم الحنين لدفء المكان وطيبوبة الأهل والجيران وبساطة العيش ،ومازالت الحياة مستمرة بهذا الشكل بين الجدران الطينية التي صمدت أعواما حتى الآن رغم تآكلها .
ساكنة القصور العتيقة بالجنوب الشرقي صامدة متشبثة بأصلها ودرجة وطنيتها عالية ،تحن على الدوام للخبز البلدي والتمر المعجون بالأيادي او بالأرجل فلا يهم، ورغم تبدل حال الكثير من الناس خاصة من غادر المكان داخل الوطن أو خارجه ، فحين يعود أحدهم او تلتقط عينه منظرا من الجنوب الشرقي فقد يحن كثيرا ، لأن ثقافة القصور سكنته منذ الصغر وعلمته وربته على التعاون والتكافل والعيش الجماعي الذي افتقد في هذا العصر .