محمد ايت حساين - جديد انفو / متابعة

"الجّرّايَة" أو "العجلة"، كرة من قماش، "القفز على الحبل"، "الغميضة"...ألعاب شعبية قديمة عرفتها مناطق الجنوب الشرقي بالمغرب، معبرة عن بداية رسم معالم المستقبل كما يراه الطفل آنذاك، كما كانت وما يصاحبها من أناشيد وحركات وسلوكيات موروثا حيويا من تراث الأجداد.

وتعتبر الألعاب الشعبية القديمة بالجنوب الشرقي مرآة تعكس ملامح الحياة الاجتماعية وثقافتها، بكل ما تتصف به من بساطة وود وتمسك بالقيم والعادات الأصيلة، كما أنها جزء لا يستهان به من عادات الأطفال.

الألعاب الشعبية القديمة لم تكن مجرد وسيلة لهو فقط، بل كانت أحد أهم صور التواصل الاجتماعي بين الأطفال بمختلف الشرائح، إضافة إلى أنها وسيلة تدريبية وتثقيفية وتعليمية وتربوية لدى غالبيتهم، انتشرت في العقود الماضية بالجنوب الشرقي انتشارا واسعا، وكانت تمارس في مواعيد ومواسم وأوقات محددة، بعد صلاة العصر مثلا، أو في الليالي المقمرة.

الألعاب الشعبية التي عادة ما يمارسها الصغار تعد إحدى معالم الإرث الثقافي والتاريخي وأحد الشواهد الحضارية القديمة للجنوب الشرقي، وتظل في ذاكرة الأجيال المتلاحقة.

وعلى الرغم من هيمنة الألعاب الإلكترونية الحديثة وتعدد أشكالها وأنواعها إلا أن الحنين لممارسة الألعاب القديمة يشد تلابيب الكثيرين للعودة لجماليات الماضي؛ وفي أقاليم جهة درعة تافيلالت كان لها حضور زاه في ثرائها وتنوعها الواسع.

"الجّرّايَة" أو "العجلة"

لعبة "العجلة" أو "الجّرّايَة"، أو الجري وراء عجلة بلاستيكية لدراجة عادية أو نارية من الألعاب التي عرفها الجنوب الشرقي. وفي حديث مع الاستاذ، زايد جرو، الباحث في التراث المحلي بجهة درعة تافيلالت أشار إلى أن هذه اللعبة كانت معروفة لدى غالبية الأطفال، إذ يقود الطفل عجلة بعصا صغيرة ويضربها لتسرع أكثر في الاتجاه الذي يرغب فيه، ويضاعف سرعته بسرعتها بنشوة عالية لاحتلال المراتب الأولى، مذكرا بأن الطفل يحدث أزيزا بفمه تقليدا لصوت محرك الدراجة النارية. ويزداد الحماس كلما كثر الأطفال فيجوبون الدروب الواسعة والضيقة والمظلمة أحيانا بالقصور التقليدية.

وأضاف جرو أن هذه الألعاب غالبا ما تمارس في فترة المساء، بعد العودة من المدرسة أو بعد صلاة العصر في أيام العطل، موضحا أن شهرة اللعبة ارتبطت بالصيف، لأن كل وقت وفصل من السنة له ألعابه الخاصة.

وأكد المتحدث ذاته أن لعبة "العجلة" كانت متنفسا للأطفال في الماضي، "الذين شبوا في الطبيعة، ولم يعرفوا الألعاب النارية ولا الإلكترونية، فكبروا على التلقائية والبساطة، وصاروا رجالا مسؤولين في مناصب عالية وحساسة في الدولة، لكن ذاكرتهم مازالت تحتفظ بلعبهم".

كرة من قماش

الأطفال في الماضي الجميل كانوا يصنعون أفراحهم من أشياء بسيطة. ويحكي عمي لحسن، القاطن بحي المسيرة بمدينة ورزازات، أنه من بين الأطفال الذين كانوا يلعبون كرة القدم بكرة يصنعونها من القماش، ويتذكر ذلك الماضي الذي وصفه بالجميل، ويقول: "كنا نجتمع في مكان خال لنلعب الكرة التي كنا معجبين بها"، ويضيف: "نعيش في وقتنا الحاضر في عالم يختلف كثيرا عما كنا عليه"، مرجعا ذلك إلى التكنولوجيا المعلوماتية المتقدمة والفائقة التي غيرت العديد من العادات والتقاليد.

وزاد عمي لحسن، البالغ من العمر 62 سنة، في تصريحه : "إذا بحثنا عن القاسم المشترك بين أطفال الجنوب الشرقي خاصة، والمغرب عموما، سنجده في الألعاب الشعبية القديمة.. رغم اختلاف المسميات وبعض التفاصيل إلا أن جميعها تكرس القيم الاجتماعية التي حرص عليها المغاربة".

القفز على الحبل و"الغميضة"

تمسك فتاتان حبلا من أجل أن تقفز عليه فتاة ثالثة، وتزداد الصعوبة والتحدي بزيادة عدد القفزات وزيادة علو الحبل..كانت هذه اللعبة، حسب عائشة، البالغة من العمر 52 سنة، والقاطنة بنواحي زاكورة، من بين الألعاب التي تعشقها الفتيات.. وجوابا على سؤال طرحناه عليها، حول المتعة المفقودة في ألعاب الكمبيوتر، وغيرها من الألعاب المتطورة، قالت: "لا أعرف ما المتعة التي يجنيها الأطفال من هذه الألعاب الوهمية"، وزادت مستغربة: "لا يمكنني الوصول إلى حقيقة الطفولة في تلك الشاشات الافتراضية..من المستحيل أن يتمكن الطفل من الوصول إلى تلك المتعة التي لازمتنا في سنوات الصغر".

أما "الغميضة" فهي لعبة يلعبها الأطفال، ذكورا وإناثا، بحيث يبدأ أحدهم العد ووجهه إلى الحائط، بينما يختبئ باقي الأطفال في أماكن مختلفة، وبعد أن ينتهي يذهب للبحث عنهم، وعندما يرى أحدهم يشير إليه ويضع يده على مكان العد، لكن إذا سبقه إلى المكان ذاته يكون قد تغلب عليه، حتى تنتهي اللعبة، ليعد من جديد أول من تمت معرفة مكان اختبائه، وهكذا دواليك؛ في حين يختلف اسم اللعبة وتختلف قواعدها من منطقة إلى أخرى.

ألعاب الفيديو تحث والانعزال

وحول الأبعاد المهمة لاستمرارية الألعاب الشعبية، يقول لحو خيي، شاعر أمازيغي، وباحث في التراث من منطقة تبسباست بإقليم تنغير، إنها ألعاب جماعية تساعد الطفل على الاندماج في مجتمعه ومع أبناء منطقته وجيله من أبناء الأقارب والجيران، عكس ألعاب "الفيديو" التي تحث على الانعزال والعنف وتشجع على التمرد على قيم المجتمع، بحكم أنها مستوردة تنقل ثقافات غربية.

وزاد المتحدث ذاته: "أطفالنا اليوم، مع وجود هذه الألعاب التقنية التي تعرضها التكنولوجيات الحديثة، أصبحوا لا يعرفون الألعاب الشعبية..ويمكن إعادة إحيائها بمبادرة من الأسر ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، خاصة الثقافية منها، فهي تعتبر أيضا ألعابا اجتماعية تساعد الطفل على التعارف وتكوين الصداقات، وتعوّده على الاعتماد على نفسه، إذ غالبا ما يقوم بصناعتها بنفسه، فيتعلم كثيرا من المهارات، كالابتكار وتعلم المهارات الحرفية والحركية".

 

ومن المميزات الأخرى للألعاب الشعبية التي تحدث عنها الباحث ذاته أنها تعلم الأطفال الجرأة والشجاعة، وبعضها تنمي مهارات التفكير لديهم، والأخرى تنمي مهاراتهم الحركية، وأيضا الدقة واحترام القواعد والأنظمة، وقبول الأمر الواقع وتقبل الهزيمة بروح رياضية، والتحدي بأسلوب مسالم بلا عدوانية.

ودعا لحو خيي المهتمين بتطوير الألعاب الإلكترونية إلى ضرورة العمل على إدخال بعض الألعاب القديمة إلى النظام الإلكتروني، للحفاظ عليها وتقريبها من الأجيال الناشئة.