أحمد بيضي
 
من يوم لآخر، تزداد مؤسسات التعليم الإعدادي والثانوي بخنيفرة فراغاَ من حراس أمنها وطباخاتها ومنظفاتها، الذين فضل العديد منهم الهجرة إلى وجهات أخرى بحثا عن لقمة العيش لهم ولأسرهم، ذلك بعد نفاذ وتبخر أمالهم في صرف رواتبهم التي انقطعت بصورة شاذة لا تقبلها لا القوانين المسطرة ولا الشرائع السماوية ولا المواثيق الدولية، ومنهم من فضل الصمود والانضباط في عمله، بين آناء الليل وأطراف النهار، في انتظار الذي يأتي أو لا يأتي، رغم انتهاء عقدة الثانوي منذ تاريخ 6 يونيو 2016، والإعدادي منذ 10 أكتوبر 2016، وظل جميعهم "يشتغلون مجانا" من دون راتب ولا حماية قانونية، اللهم مؤازرتهم من طرف بعض مديري المؤسسات.
 
وعلاقة بالموضوع، أفاد أحد الضحايا أن فوز شركتين من صفقتي الحراسة الخاصة بالإعدادي والثانوي قد شابهما غموض كبير، انطلاقا من كون الاتفاقية مع الشركتين تنص على أن تقوم المديرية الإقليمية للتربية الوطنية بأداء 2700 درهم عن كل حارس أمن لفائدة الشركتين الفائزتين، تشمل الراتب والتصريح والانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والمبلغ أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور، وثانيا أن الصفقتين ذاتهما ظلتا عالقتين منذ التأشير عليهما بالمديرية الإقليمية للتربية الوطنية بخنيفرة والمراقب الجهوي ببني ملال، ولا أحد من المسؤولين كان صادقا تجاههم، اللهم الاستمرار في "حقن" انتظاراتهم بعبارات التسويف والمماطلة.
 
في السياق ذاته، يشير بعض الضحايا إلى أنباء متداولة حول تهرب المراقب الوطني بالرباط من التأشير النهائي على الصفقتين بسبب عدم مطابقتهما للمواصفات القانونية المعمول بها في قانون الصفقات العمومية، وجميع المعنيين بالأمر حيارى من دون أدنى ضمانات بخصوص وعود الاحتفاظ بهم بعد تفعيل الصفقتين، في حين ما تزال عاملات النظافة والطبخ بدورهن يشتغلن دون أجر، لحوالي خمسة أشهر، دون اكتراث بوضعيتهن المؤلمة، رغم ما خضنه من احتجاجات، بالأحرى الإشارة عن اقتراب عقدتهن من نهايتها خلال الأيام المقبلة.
 
إنها مأساة إنسانية، وكارثية بكل المقاييس، تلك التي يتخبط فيها حراس الأمن المدرسي وعاملات النظافة بالمؤسسات التعليمية بخنيفرة، رغم كل المعارك الاحتجاجية التي رفعوا فيها آلامهم الاجتماعية والنفسية التي لم تحرك مشاعر لا الجهات المسؤولة ولا الشركات المعنية التي فضلت منطق التعنت على حساب تفقير وتجويع ضحاياها، والرمي بهم على سكة التشرد والمصير المجهول، علما أن عملهم أو "بطالتهم المقنعة" هي وحدها المورد الرئيسي لصراعهم، وصراع أسرهم، من أجل العيش والبقاء، سيما في ظروف مثقلة بالتزامات تدبير القوت اليومي، ومصاريف الدواء والكراء والماء والكهرباء والخدمات الأساسية وأقساط القروض، مع ما يعلمه الجميع بخصوص غلاء المعيشة والبطالة وغياب البديل.
 
وليس من مبالغة في فتح حالة بعض الحراس الذين دفع بهم واقعهم الرهيب إلى الوقوف على مشارف فكرة الطلاق، وبعضهم الآخر تعرضوا للتهديد بقطع الماء والكهرباء عن بيوتهم، مع ما يجره الحديث من مشاكل أخرى لا تقل عن ديون "مول الحانوت"، إلى غير ذلك من الآلام التي تطالب السلطات المعنية ومديرية التربية الوطنية بالتدخل الفوري من أجل تطبيق واحترام قانون الشغل، في سبيل إنقاذ الحراس والمنظفات المذكورين، وتمكينهم من "أرزاقهم" في ظل دولة لا تتوقف ألسنة شعبها عن ترديد المثل : "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق"، وهو ما ينطبق على حال الضحايا المشار إليهم.