ذ محسن الأكرمين (باحث في التربية)

الغش في الامتحانات استوى جلوسا على طاولات الفصول الدراسية قسرا، وأصبح يوصف بالمهارة الفنية التي يتم تلقينها بكل حرية على مستوى الحياة الجماعية. حد تسمية الغش في الامتحانات بالظاهرة الاجتماعية، يبيح لنا التحرك في تحليلنا بكل حرية.

إنه الناقوس المدوي بوجود خلل ما في بعض اتجاهات المجتمع وهياكل الدولة . فالتشابكات غير السوية في الأفعال بين أسوار المؤسسات المدرسية الحصينة والتحولات الإجتماعية المتسارعة بالتراكم السلبي، أضحى ظاهرة تنتج مشكلة بنيوية معيبة تواجه الفرد والمجتمع و دولة المؤسسات .  

لما آثرنا وصف الغش في الامتحانات بالظاهرة الاجتماعية؟ هي أولى نتائج تحليلنا السبقية والتي تحلينا لزاما إلى البعد السلبي الذي يلحق القيمة الإشهادية لنتائج الامتحانات بالإفساد.

 

لن ندع المبررات الإكراهية للغش في الامتحانات تستولي على مقصد تحليلنا، بل نسعى إلى إسقاط تشخيص بالشكل العرضي والبحث عن خصائص الظاهرة ، من حيث أن الغش أصبح اليوم سلوكا جماعيا لا فرديا. ولن ننفك عدلا إلا إذا ما قطعنا القول أن الغش المدرسي في الامتحانات ما هو إلا نتاجا سلبيا حيا لحالات الفساد التي يعيشها المجتمع المغربي . فبين الوسط الاجتماعي والسياسي والاقتصادي تربى الغش والمكر في المعاملات، تربى التدليس والتزوير في النتائج، تربى فقدان الثقة عموما. هنا التفكير المغربي استوطنته الوصولية ، تسلمته الانتهازية بحلية كل وسائل وصيغ الوصول النفعي/ الريعي. هنا سرطان الغش لن ولم يجد تعقيما قانونيا جازما بالإحاطة والزجر، هنا الغش استنسخ ألوان الحرباء واحتل كل مجالات حياة المغاربة والتي كانت في منأى محصن عن التحولات الاجتماعية غير السوية مثل ، التعليم بعمق أزمته الموضوعاتية، التطبيب والمتاجرة الجشعة في صحة المغاربة، السكن و الغش في المواد الأساسية، وعلى العموم عم الفساد القوم وتعاملوا معه بالتطوير والابتكار وتآلفوا معه بالتآخي .

في الماضي غير البعيد كان الغش في الامتحانات حالات تلقائية عفوية ، لكن الظاهرة قعدت نفسها بالشرعية تجاه كل أنواع الفساد المستشري في البلاد. انكشف الغشاشون تشدقا بأفعالهم، و بالتباهي في تنويع ممارساتهم للغش، أسقط فعل الضمير الاجتماعي القبلي بتحريم وتجريم الغش، تحلل الغشاش من وضعية الشعور بالإثم  والذنب تجاه الذات والمجتمع عموما والمجتمع المدرسي خصوصا.

إنها سوء تقدير عمليات الغش عندما تواطأت الأسرة والمراقب في فصول الامتحانات مع الغشاشين، إنه سوء التقدير المستقبلي عندما تسكت المنظومة عن مظاهر الغش الذي ينخر الهيكل المدرسي من الداخل بالتزايد والتطوير، إنه بؤس العدالة والقانون حين يأخذ بالمبررات ويسوغ أحكامه تزكية لغش أو فساد، إنه القانون المغربي غير المفعل إلا على ضعاف الشعب وغوغاء القوم.

تحليلنا العرضي أمسك العصا من الوسط وعمم مظاهر الغش والفساد على كل مستويات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المغربية. لكننا إن دلفنا إلى عمق مشكلة ظاهرة الغش في الامتحانات من الجهة الأفقية فإننا نوثق الترابط العضوي بين عناصر الغش المدرسي وبين الممارسات التي تمارسها الجماعة ككل. هنا نورد ثاني نتيجة من تحليلنا ونقر بعلم اليقين أن الغش في الامتحانات كظاهرة أفرز لنا مشكلة تربوية مدرسية سلبية بحجم ليمونة فاسدة ومفسدة لمناحي صندوق نتاج الفصل الدراسي.

حكمنا بربط الغش المدرسي بالمشكلة التربوية / الاجتماعية غير المرغوب فيها، ينم عن وعينا الكبير من سوء نظامنا التعليمي في مداخله وتقويمات امتحاناته، وفي انتظاراته المستقبلية عن أي مواطن نبحث، هل نبحث عن المواطن الصالح؟ هل نبحث عن المواطن الغشاش والممتلك لعقلية الفساد؟  هل نبحث عن المواطن بجودة التعلمات الأصيلة، أو المواطن النزق باستعمال آليات الفساد ؟ هل نبحث عن المواطن المتدين الزاهد والخنوع ؟.

نعم،  بين الأسئلة الواردة وأخرى خفية تضيع المواطنة الحقة، وتبقى المواطنة يرفعها الفرد البسيط بقلبه وسلوكه تجاه الوطن . في حين ممكن الإعلان أن الوطن ضاع بين أيدي الفاسدين، بين أيدي المتاجرين في تعليم أبناء الشعب و صحة المواطنين، بين أيدي تجار الفساد عموما ومروجيه بتمام جغرافية الدولة.

القول البديهي أن المغرب يواجه الكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية والتي تحولت بفعل التحولات الاقتصادية والسياسية إلى معول ناسف لكل استقرار في ظل خطة الدولة في الاستمرار في الإصلاح بشكل بطيء. نعم نؤمن بالإصلاح وفيه ينخرط المواطنون ويطالبون به. وبه يعمل الأستاذ والإداري بكل تلقائية.

نعم ممكن أن تكون حافظة المشاريع المندمجة للإصلاح (2015/2030) آخر فرصة ممكنة لاستواء حال المدرسة المغربية بالإيجاب وجدوى المردودية ، ممكن أن تكون كل الإجراءات التي سنتها الوزارة الوصية في مجال زجر الغش كفيلة بالتقليل الجزئي منه ( القانون رقم 02.13 المتعلق بزجر الغش في الامتحانات المدرسية، والذي قد دخل حيز التطبيق منذ أن صدر بالجريدة الرسمية بتاريخ 19 شتنبر 2016).

فيما النتيجة الثالثة التي لن نفيض القول فيها، تلحق أصلا بتدارك معرفة خصائص ظاهرة الغش في الامتحانات من خلال صيغة بديلة لمعالجتها بالشمولية. وعبر تقديس قرارات القضاء. وعبر محاربة الفساد بكل أشكاله وتنوعاته وفي كل نقطة من الوطن. وعبر الوعي بالبؤر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي أنتجت ظاهرة الفساد. وعبر اقتحام بوابة دراسة الظواهر الاجتماعية علميا بالتحليل أولا قبل سن القوانين القضائية والتنظيمية والزجرية. وعبر تحليل ظاهرة الغش وتفسير تطورها وتأرجحها وسد منافذ ثقبها السلوكية.

الأهم الذي نقصده هو محاربة الفساد بشمول المصطلح ،  بمقاربة  تقتضي الإصلاح الكلي قبل إصلاح ما بين أسوار المدرسة المغربية. مقاربة تجعل من المساءلة والمحاسبة الفعلية المرجعية الأولية لدولة المؤسسات والحق والقانون. إنها صيغة إرساء الحكامة وإدارة التغيير التي تتأسس على المثل الشعبي المغربي" لي فرط يكرط" وهي التيمة  التي تسبق كل إصلاح.