زايد جرو – الرشيدية / جديد انفو

توالت النكبات على الرحل هذه السنة بأعالي الجبال وبسفوحها، بعضهم حاصرته الثلوج  في القمم  لأيام كثيرة، فتاهوا  بين لدغات البرد، وبين أنياب قساوة الجوع وقلة ذات اليد .. تألموا ... تأوهوا ... وانكسروا.. وركعوا قهرا للقساوة ... وبالسفوح الجنوبية الشرقية التي قلت فيها التساقطات، نفخ في خيامهم الزمهرير  اللاسع  وما زادهم قحط الوديان والشعاب  الا عسرا في عسر، الماشية  جاعت وجف  شحمها ويبس جلدها و جف ريقها، ولم تعد قادرة حتى على "البعبعة" الصوت الذي يدفئ المكان ويملأ خواء القفار.

يحكي حساين أومحلي (رقم هاتفه: 0659980590)  ارحال المسكين  للجريدة في اتصال هاتفي  من طريق كولميمة على بعد 20 كيلومترا من الرشيدية وبمنطقة تاردة  بالضبط يوم 26 فبراير 2018، يحكي انه ضاق ذرعا، وخاف، وذعر، وشده الهلع من مرض غريب لم يسمع  به من غابر الازمان ،حتى رآه حيا  بأم عينيه ينهش ماشيته ويقضي عليها تبعا، فقد ضاعت منه تسعة رؤوس، اشفق على حالها وهو ينظر اليها وهي ترتعد و" تفركل" وترتجف كأنها مجنونة لتسقط أرضا، ويخرج من عينيها سائل أبيض من شدة الاعتصار فترقص  مذبوحة  من شدة الألم، شاهد سقوط الأولى فقال : لا بأس  تلك هبة  من الله ،وشاهد الثانية تحتضر وقال : تلك عطية  من الله، وشاهد الرابعة ،وقال : لا حول ولا قوة الا بالله، لكن مشاهدة الخامسة والسادسة زاده الفعل  ذعرا ولم يمتلك  النفس وبدأ يهرول للبحث عن مخرج، وعلى جنبات الطريق مد يده لتقف له سيارة اجرة  فمخرت به الطريق وهو تائه بين اسئلة محرقة فطال به الزمن النفسي رغم قرب المسافة، وبمدينة الرشيدية اتصل ببيطري (خصوصي وطبعا بالاداء) فرافقه  للمكان  ورأى  الطبيب بالعين وحن بالقلب، فمنحه  دواء  عله ينقذ ما تبقى  من غنمه وطمأنه، لكن المرض مازال مستفحلا ينخر القطيع  وبالكاد تتنفس .

ارحال حساين  أحس بثقل المسؤولية  خوفا من انتقال المرض الغريب لماشية الجيران  فيعصرها ايضا، والدور بالأكيد عليها وشيك قريب، بل خاف انتقال العدوى للساكنة عبر الفئران والذئاب والكلاب التي تفترس الماشية الميتة، ويناشد كل المسؤولين  بالإقليم وعلى رأسهم المشتغلين في البيطرة والقطاع الفلاحي، ان يزوروا المكان حفاظا على سلامة ما  تبقى من  قطيعه  ،بل على سلامة الساكنة والبيئة لوضع حد لهذا المرض  الخبيث حتى لا يستفحل اكثر.

انقطعت المكالمة مع ارحال حساين ولم ينقطع الامل في اغاثة ماشيته التي تبيض أعينها وراعيها كظيم،وهو يحمل القناطر المقنطرة من الالم، ويشرب الكؤوس الدهاق من الغيظ والحسرة، وليس له ولا لغيره من الرحل غير النجدة علها تجد اذانا رحيمة تتقن الإنصات أو اعينا بصيرة تتقن الرؤية،  لرفع ولو الجزء  اليسير من الضيم الذي يجول  الفجاج والوديان والشعاب هذه الايام بالمغرب العميق.