محسن الأكرمين - مكناس / جديد انفو

لعنة المرينيين لازالت تلحق القصبة المرينية (ساحة الهديم حاليا)،اللعنة بقيت حاضرة حين أمر المولى إسماعيل بهدم القصبة وإنشاء ساحة فسيحة لتجمع جنوده ومنطلقا لغزواته. هدم لم يمر بسلام حين ترددت كلمة الهديم على الألسن ، من تم بقيت التسمية ( الهديم) وهي التي تستحضرها الذاكرة بالتكرر وممارسة لفعل الهديم.
 
اسم الهديم منذ وعيت مدينتي وأنا أعايش عمليات الهدم والتشكيل المتوالية، ونحن نشهد فائض ميزانية كل مجلس تصرف على تغيير ملامح الساحة، حتى أننا بمكناس ألفنا الحفر والردم بساحة على مر السنوات. حتى أننا خلنا أن علماء الآثار يبحثون عن مخلفات الحقبة المرينية و الإسماعيلية.
 
جمالية الهديم ليس في مرجعية البناء التاريخي فقط، بل في الموروث الثقافي الذي تحمله الساحة، في تنوع الوظائف التي كانت تشهد عليها ساحة الهديم بمداد فخر واعتزاز. فمن سوق الخميس الأسبوعي الذي كان محج كل القبائل المكونة لأحواز مكناس، إلى ساحة الفن والثقافة الشعبية والتراث اللامادي.
 
في الحاضر الفوضوي التي تعرفها، أفرغت الساحة من حلقات الفرجات الشعبية. باتت تستغل كمسرح للتنشيط الثقافي والفني الرخو، حينها كثرت بها ملوثات السمع والرؤية الهجينة . أصبحت تسكنها العبثية، حينما سطت عليها كراريس (الببوش و مول قصب السكر) والفراشة والعشابة بمربعات معلومة في الساحة. أمسى الزمن الفرجوي للساحة في خبر كان وولى مع الحكواتيين الكبار. ولى مجدها مع الذاكرة الشعبية الشفهية آيلة للإفتقاد بسرديات الثقافة الأمازيغية والأسطورة العربية (عنترة بن شداد). ولت مع اختفاء فرجة مسرح الحلقة البسيط و (أيها البازويز..).
 
اليوم بمكناس بكاء العين عن الساحة وإن كان لا يجدي على مستوى الهدم المتوالي واحتلال الملك العام، لكن العين تجود بكاء حينما يتم التفكير في طمس معالم الساحة بإعادة شق طريق، تبكي العين حين سيتم ترسيم حدود الزفت بين الساحة الشرقية والساحة الغربية. هي نوايا ما ورد إلينا من تواتر القول، حين استقينا رواية من أن مكتب المجلس الجماعي بدأ يفكر برزانة على هيكلة للساحة بشق طريق، ممكن أن تصيب الساحة بالهدم والتشويه، و إعلان نهاية مفهوم الساحة كتراث عالمي إنساني.
نعم حين يفكر المجلس الجماعي بالصوت العالي ويتم استراق السمع الخارجي أنه يريد استصدار قرار من المجلس على فك اكتظاظ السير والجولان عبر فتح طريق تمتد من ساحة الهديم مرورا بالسكاكين وباب الجديد وصولا إلى مدارة ثلث فحول. فإن الأمر لا يعدو إلا أن يكون هدرا للمال العام، لا يعدو إلا تفكيرا بقد ظل مهندسي الفكرة، لا يعدو إلا ركوبا على محاربة الباعة المتجولين بالساحة، والفراشة ، ومحتلي الملك العمومي بالحيلة وكفى رئاسة الشرطة الإدارية حرب إخلاء الملك العام قانونيا.
لنعترف أولا أن ممارسة اختصاصات رئيس المجلس في مجال الشرطة الإدارية قد وجدت عوزا تنظيميا في ضبط إخلاء الملك العام، لنعترف أن سلطة الرئيس في مجال الشرطة الإدارية لم تقدر على تحرير الملك العام وممكن أن تلتجئ إلى المقاصد الشعبية ( الحيلة أحسن من العار). لنتفق بالجمع أن النتيجة الحتمية إن تمت من فتح طريق (بين ساحة الهديم ومدارة ثلث فحول) هي نتيجة سلبية لا تسمن ولا تغني تلك الفكرة من فك الاكتظاظ و تسريع اتجاهات سيولة العربات والمركبات، لكن هذه الفكرة حقا ممكن أن تغني سلطة الرئيس في مجال الشرطة الإدارية من التصادم مع الفراشة وما شابههم من الكراريس وكراسي المقاهي وبائعي الخزف.
 
قد يقول سائل، سبق وأن كانت هناك طريق بالماضي القريب تمتد من وسط الساحة إلى باب الجديد، نقول نعم، ولكن نجيب بأن هناك تحولات اجتماعية كثيفة بالسلبية حلت بمكناس، هناك زيادة في الكثافة التجارية التي تعرفها السكاكين وعدد الفراشة.
 
و القول الحق بالمنطق هنالك تفكير آخر بسيط وقانوني في معالجة الأمور بالحزم وفك الحصار عن الساحة وغيرها من الأملاك العمومية المحتلة بالمدينة، وهو ممارسة سلطة الرئيس في مجال الشرطة الإدارية وفق ما يتضمنه سجل اختصاصات رئاسة المجلس الجماعي. فمعالجة داء احتلال الملك العام بآخر دواء هو الكي (الطريق) ، هو علاج في حد ذاته سيترك أثر النار على جسم المدينة المترهل .