أحمد بيضي - خنيفرة / جديد انفو

بعيون باكية ومشاعر حزينة، انطفأت، بخنيفرة، يوم السبت 27 أكتوبر 2018، شمعة الفنان مولود حموشي، المعروف لدى معارفه وعشاقه بلقب “با مولود”، حيت تقاطر عشرات المواطنين والمعجبين والفنانين والإعلاميين والجمعويين والباحثين والمهتمين بالفن الأمازيغي، على بيت الفقيد بخنيفرة لتقديم العزاء، على أن يتم تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير، اليوم الأحد 28 أكتوبر 2018، وكان طبيعيا أن يستأثر رحيل الرجل بحزن محبيه ومعجبيه، بالنظر لإيقاعات “بنديره” التي جعلت منه مدرسة فنية فريدة، عندما عرف كيف “يستنطق” آلته الموسيقية، ويظل المرافق الوفي لصديقه الراحل محمد رويشة في كل الحفلات والمهرجانات والسهرات، وطنيا ودوليا.

ولفظ الفنان “با مولود” (75 عاماً)، أنفاسه الأخيرة، وهو في ضيافة أحد مستشفيات مكناس، بعد صراع مرير مع المرض الذي تجاوب معه الرأي العام المحلي والوطني بحملة تفاعلية تضامنية، أطلقها المجتمع المدني ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، بغاية إثارة انتباه الجهات المسؤولة والإطارات الفنية، ووزارة الثقافة والمعهد الملكي، لحالة هذا الفنان الكبير، والتدخل لتقديم يد العون له، ودعمه في محنته الصحية والمادية والاجتماعية، قبل دخول وزارة الصحة على الخط، من خلال زيارة قام بها مندوبها الإقليمي لبيت هذا الفنان، واطلع على وضعيته الصحية المزمنة، وعلى وثائق الفحوصات التي فات أن خضع لها بالمستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط، ومستشفى الأنكولوجيا بمكناس، وأعرب ممثل وزارة الصحة عن استعداده التام للتكفل بحالته.

ووفق معطيات الباحث في الفن الأمازيغي، المكي أكنوز، فإن الراحل مولود حموشي بن موحى أحموش، والطاهرة بنت ايشو علا، كان قد أطلق أنفاسه الأولى علم 1943 بتغنبوت، ضواحي تونفيت، حيث غادر المدرسة مبكرا ليحترف مع والده مهنة الجزارة، ولما كاد ميوله لكرة القدم أن يعرج به خارج الفن، كان في انزياحه لبلدة أغبالو، واشتغاله بمركز الأشغال الفلاحية، لمدة 8 سنوات، ما حمله للتعلق بالفن الامازيغي وإبداع الكلمات الموزونة، واقتفاء أثر الشـعراء، من أمثال علي الحامري، عسو نسليمان، حمو والغازي، باسو نحمدان، سيدي نمهرا، مبارك المكي وغيرهم بحثا عن أفاق فنية.

وبعدها وجد “با مولود” نفسه منخرطا كضابط إيقاع بارع في مجموعتي العازفين على آلة الوتر، ومنهم الفنان عقى نيطو حمزة، والفنان عبد الله نمسعودة، ولم يتوقف عن عشقه الجنوني للفن بعد التحاقه بمجموعة محمد استيتو ثم بمجموعة الفنان الكبير الفقيد محمد رويشة الذي كان بمثابة ركيزته الأساسية و”علبته السوداء”، والذي التقى به صدفة، خلال الستينيات، ببيت آل اليوسفي بكروشن، ولم تكن لمحمد رويشة حينها مجموعة أو فرقة فنية منظمة، إلى حين قرر إنشاء مجموعته عام 1965، انضم إليها “با مولود” رفقة علي ودي، محمد أوطلحة وحسن بويقفي.

وكان ل “با مولود” الفضل في جلب القصيدتين “سيدي ربي جود غيفي” و”ثبرم الساعث ارعب اونا اورموثن” لكاتبهما الشاعر الكبير حمو والغازي، وكذلك قصيدة “أعداوينو او رثباط ارزقنو” للشاعر مولاي احماد نبومية التي أبدع الفقيد رويشة في أدائها، وسجله التاريخ كأول من غنى وعزف القصيدة الخالدة “ثيفارث” على آلة الوتر بالأطلس المتوسط، ومن خلال مذكرات “بَّا مولود”، سبق له، صحبه محمد رويشة، أن التقى بهما الملك الحسن الثاني، بمدينة إفران، خلال سبعينيات القرن الماضي، ودعاهما إلى حضور حفل زفاف الأميرة لالة مريم بمدينة فاس، في حين ظل الفقيد يحتفظ بفترة التحاقه بمجموعة الحسن استوح، (أعشوش) وزيارته، رفقة الأخير، للديار الأمريكية عام 1980، حيث دخل قبة البيت الأبيض وبيده آلته الموسيقية الجلدية.

وشاءت الأقدار أن تجبر الفقيد “با مولود” على “الغروب” عن الساحة، جراء المرض اللعين الذي أصابه العام الماضي 2017، وجعله طريح الفراش ببيته البسيط، بخنيفرة، قبل نقله للمركز الاستشفائي الاقليمي، وهو يعاني آلام الورم الخبيث، وتكاليف العلاج الضعيفة أمام جبروت الفقر وعدم وجود أي مدخول قار غير ما يتم كسبه من الآلة الموسيقية، وهو الذي كان صاحب نكتة وروح مرحة، ومدرسة فنية فريدة من نوعها، وشاعر تغنى بالحب والحياة والطبيعة والأم والجمال، لا زال صداها يتردد في أرجاء المغرب وخارجه، قبل أن يتركها للأجيال ويموت في صمت بعد أن عانى في صمت.

ومعلوم أن “با مولود” يحمل “بطاقة فنان” من وزارة الثقافة المغربية، دون أن تنفعه هذه البطاقة في شيء، ولا في أية خدمة أو حق من الحقوق، ولا في أي تكريم، اللهم التكريم الذي حظي به من طرف “جمعية حمو اليازيد” التي بادرت إلى الاحتفاء بمجموعة محمد رويشة، ثم “جمعية إيزوران” التي قامت بتكريمه وهو على فراش المرض، وكان طبيعيا أن يشتعل الرأي العام غضبا واستنكارا إثر إقدام المستشفى الجامعي لفاس على رفض استقباله، لحظة نقله إليه من خنيفرة، على متن سيارة اسعاف، لإجراء بعض الفحوصات الضرورية، ما حمل بعض المحسنين إلى إجراء هذه الفحوصات على نفقتهم الخاصة.