محسن الأكرمين - مكناس / جديد انفو
 
أصعب ما ممكن أن يلحق بك حين تتوجه بنقد موضوعي لمهرجانات مكناس بشموليتها مقولة "مكناسة قبلة للحكامة". لكن الحق والحق أقول، لن يتزايد علينا أحد في قياس حقينة مكون الحكامة بمكناس ولو بالعين المجردة. لن ندخل ذكرا لمنزلقات فجوات هوامش التدبير والتسيير بمقابل إرساء حكامة خلاقة مبدعة. لن نرفض القول بأننا لازلنا أطفالا صغارا نتعلم لعبة (الغميضة) للمسك بأهداب الحكامة. وحتى الآن، لم نستطع حقيقة توفير الفعالية و الانسجام في رؤية توطين الحكامة بمكناس.
 
هي مقدمة لمن يهم أمر استفسار رأينا في مواصفات التنمية الذكية، هي مقدمة تعدم الاشتغال باقتراحات ارتجالية ولحظية بمكناس (هنا وهنالك) نحو الاشتغال وفق مشروع ذكي للتنمية بدل برنامج عمل مدينة فقير في رؤى التخطيط البعيد. فحين نتناول نقد المهرجانات بمكناس بالموازاة مع أب المهرجانات (مهرجان مكناس)، فإننا نمثل روح الديمقراطية الدستورية، والتي تقتضي الأخذ بالرأي والرأي المضاد.
 
في هذا المقال سيطغى عليه مجموعة من الموجهات التي تفرق القول بين (الأيادي البيضاء)، و بين كلام ترشيد إنفاق المال العمومي على منصات الغناء والضحك. لن نختلف في وجود أياد بيضاء بمكناس حامية للمال العام، ولكن قد نختلف حين نحيد بعدا عن أولويات المدينة التي لا تستوجب هدرا زمنيا ولا تأخيرا، ونفعل بكل أريحية منصات(الغيطة والطبل).
 
فيما التوجيه الموالي، أننا لسنا ضد الفن ولا ضد الإشعاع الثقافي الذي ممكن أن تشكله المهرجانات، لسنا ضد سياسة الترفيه عن الساكنة و تخزين مشاكل مكناس إلى ما بعد نهاية موسم المهرجانات. لكننا ضد تلك المهرجانات التي تحمل كفة وزن خفيفة من الثقافة النظيفة والفن، وتسوق كثلة وزن ثقيلة من السلبيات التي تحرق كل ما هو إيجابي وتحتويه إلى حد إعدام الثقافة الراقية.
 
الحقيقة التي لا نمتثل إليها بالإنصات، حين نغيب روح ثقافة مكناس وهويته التاريخية، حين تصبح أصالة المدينة تطحن من قبل الغناء و الفن المستورد بالعملة الصعبة وبرقم درهم التي يتبعه يمينا مجموعة أصفار. حين يغيب الإبداع والتفرد بلمسات مدينة التراث، حين يتم تسويق التراث المحلي عبر وجبة فلكلور سريعة لا سعرات ثقافية وفنية فيها. حين نشتغل برؤية القصف الموضعي لأيام المهرجان (تكثيف مواد البرنامج) ونغفل الأهداف البعدية النبيلة التي تخدم المدينة والوطن.
 
ممكن أن يكون أب المهرجانات (مهرجان مكناس) والذي لم يصل عتياً في سنه العمري ينظم بنية سليمة، ممكن أن يكون النموذج القابل للحصول على علامة الاستحقاق التامة بالمدينة، ممكن القول بأنه يستهدف باحتشام موضعي نشر ثقافة معينة تركز على الترفيه و الفرجة مرات عديدة رخوة ، وتارة أخرى نظيفة، ممكن وهو في سنه الصغير أن يؤسس لرؤية تحريك عجلة التنمية المستدامة بالمدينة عبر المزاوجة بين تسويق حلم مدينة و تحديث البنية الاستقبالية.
 
ومن الموجهات الأخيرة، حين تكثر المهرجانات بالتدافع غير الصحي فإن الأمر ينبئ بتكريس سياسة تمييع للفعل الاحتفالي و الثقافي بالمدينة، فإنه يصبح تطويعا سلبيا لأذواق الساكنة وتكسير القيم الاجتماعية الحصينة، وخلق نمطية الضحك المجاني. كثرة المهرجانات واستنبات أخرى بنفس التيمة والأهداف لا يخدم مكناس لا ثقافيا ولا فنيا، ولا حتى في خلق رواج اقتصادي مواكب لأيام المهرجانات، ولا حتى في تسويق صورة مكناس المرجعية (التاريخ/التراث/الأدب/الفن/العادات...)، بل تصبح تلك المهرجانات مستهلكة للمال العام (الدعم) ومشوش صوتي فاضح.
بين التنمية الذكية و التنشيط الثقافي الفني روابط ممكن أن تكون توافقية تنبني على أساس تحريك عجلة الاستثمار و خلق حركة اقتصادية بديلة، تتحدد في خلق رؤية تنموية تتجه نحو تأثيث المدينة بالبنيات التحتية الخادمة للحركة الثقافية والفنية والسياحية والاقتصادية.
 
لنتفق ولو للحظة، ونقول أن الوقت قد أصبح ممكنا في غربلة تلك المهرجانات، هي فكرة بسيطة ممكن من خلالها أن نتجاوز بها الاستهلاك المجاني لمنصات العرض (الدعوة عامة) نحو خلق وسائل ترفيه تجمع بين تشغيل دواليب اقتصاد مدينة وتعزيز تنمية تفاعلية وخلق ثقافة فنية مريحة بالإرضاء الجماعي.
 
آخر موجه، وهي حتمية ولا مزايدة فيها، فكل المهرجانات تعاكس سياسة التقشف والترشيد بمكناس، لأن منطق التطوير في المهرجانات يفرض سخاء اليد والإنفاق المالي لأجل نيل حسنات رضا الجمهور والحضور. لكننا في هذا الموجه نؤكد على الحصيلة النوعية التعددية، لا التراكمية بكثرة الأنشطة.