زايد جرو / الرشيدية

جهة تافيلالت منبت الحكم والكلام المرصع ، بها الملحون  شب  وبها الأخلاق سارت  وانتشرت، التواصل  القديم بين الناس يطبعه التأويل  رمزا وإيحاء وبالدلالات العميقة ، فبالإيجاز تصل الرسائل وبالغمز  تُقضى الحوائج  ،وتحصل المنافع ،وكم هو مكروه عندهم ” الدُّوايْ ” الكثير الكلام باللغو الزائد ، وكم هو مقيت لديهم  “الحَشّايْ”  والمتحايل ،وقلما ينتقمون لطيب أخلاقهم وتسامحهم خاصة خارج منطقتهم ،فاشتهروا بالصبر وطيب الخلال والصدق والأمانة.

في كلامهم عند الانتشاء وحين يحلو الجلوس ويطيب  يوظفون رموزا قد لا يتقن دلالتها غير أهالي المكان ،فتسمع في لغوهم ” هداك  الزارعو” او ” الحشّاي ” والمقصود  باللفظة المتداولة هو الشخص الذي يزرع نفسه في كل منفعة ويقحمها في كل شيء ،وقد تعني الشخص الذي يكره العمل والتعاون مع الآخرين،  لكنه يريد النصيب من كل شيء ، بالاحتيال وحسن الكلام واللباقة و التوادد، وقد ينعته الناس  ب  “الزارعو ”  ويتعاملون معه بنوع من الاحتياط والسذاجة ،ولا يستطيع أحد ان يعتدي عليه لأنه ابن البلدة او ابن "zgag" او ابن القصر ،له ما يميزه من بعض  السلوكيات  الاجتماعية ،الذي شب عليها الجميع  تحت جدران السقيفة او بمدخل”  إغرمان” باللغة الامازيغية.

الزارعو قد يكون “حمان ” او” عبد الرحمان”  او “قديدير”  او “عبيد ” بشكل عام من مواصفاته كثرة الحركة ومخالطة كل الناس بالكلام اللائق  و “تخييط” ما لا يخيط ،وقد يقترب من لغة الطفيليين عند العرب القدماء و ال “قوالبي ” بلغة اهل العصر وقد تتعدد مواصفاته حسب الأماكن  ولا يخلو  منه اي قصر من قصور الجنوب الشرقي ، وقد يكون الشخص الذي يبحث عن الولائم ،ويزرع نفسه بين أهل الحفل ،وكانه منهم من أجل تجنب المضايقة، يشبعك كلاما طيبا ،ويكثر من الرحمة على والديك، وقد يخترع قصصا  مع والدك أو والدتك  من أجل تثبيت القدمين ،وكم يكره ان يتطفل على مجلسه الأطفال او الصغار الذين لا نفع فيهم، او حتى الكبار الذين خبروا ” قوالبه ” جيدا، يتنقل في القيلولة والضحى والعشي وقل ما يظهر ليلا ربما خوفا من الانتقام أو لكونه يخطط ل” تبزنيس آخر ” في اليوم الموالي.

الزارعو  لفظة سلوكية ولغوية  مليحة يتبعها الانشراح والضحك ،وننعت بها في بعض الأحيان كل شخص يجنح لمنفعته الخاصة دون التفكير بالمساس بالآخرين ،وهو  اسم  له  مرجعيته  الثقافية بقصور تافيلالت وهو أيضا  إرث لغوي  ثقيل وبعيد المنال والفهم على شباب العصر أصحاب ” الدجين ” المثقوب من كل الجوانب  …ولكل زمان رجالاته وليس هناك نموذجية ممكن ان نقيس عليها كل الأشياء  ليسير الزمان على نمط واحد ، ويصعب أن نجزم بالقول بأن  زماننا افضل من زمانهم لأن الدهر في تحول والسلوكيات في تغير والانسان أيضا  في تقلب …والاسم قريب من الاندثار والانتهاء والإمحاء  لأن مدة صلاحيته  قد أوشكت على النهاية وأصبح قليل التداول ،وسيمحوه الزمان كما محا أهل الفضل والنهى، وكما محا الرجال الأشاوس لكن السلوك الفعلي  ل “الزارعو ”  سيمتد في الزمن لأنه مبني على التحايل حيث انتقل الفعل السلوكي لأفعال موظفين سامين وموظفين عاديين يشتغلون في الحقل التربوي للأسف وهو الميدان الذي يجب ان يكون  فيه المرء نظيف الخلال ،ففسدت  بعض  قيمهم، وامحت  الكثير من الخصال الحميدة والمحمودة  وتم استبدالها ومسخها  بقيم تربوية  رديئة في  التواصل والعمل  والتربية.