كمال مدوني* - جديد انفو / متابعة

تعد منطقة سجلماسة وإقليمها من أهم المجالات الحافلة بالأحداث التاريخية، والتي شهدت توالي وتعاقب أجناس وأعراف متعددة مما جعلها تنماز بتركيبة اجتماعية مختلفة المشارب، أثرت على مسرح أحداث المنطقة، وطبعتها بتراث ثقافي غني ومتنوع يغري الباحثين، وتعتبر سجلماسة كذلك مغابة المدار، حيث إنها طيلة العصر الوسيط وحتى العقود الأولى من الفترة الحديثة، شكلت محطة لكل القوافل التجارية القادمة من افريقيا جنوب الصحراء إليها والمتوجهة كذلك إلى العواصم التاريخية في المغرب الأقصى مثل فاس، ومراكش وتلمسان وغيرها، ولعل هذا الأمر هو الذي بوأ إقليمها مكانة مهمة عبر التاريخ.
 
وإذا كانت سجلماسة قد حظيت إلى حد ما بنصيب من الاهتمام والبحث التاريخي، فإن إقليمها لم يأخذ نصيبه بعد من البحث والدراسة والنبش فيما يزخر به من معطيات تاريخية وموروث ثقافي، وهذا هو الذي دفع بالأستاذ الباحث رشيد الهاشمي لكي يسلط الأنوار على الموضوع الذي وسمه ب"قصر الدويرة: أضواء على التاريخ والثقافة والتراث".
 
لا يختلف إثنان على أن التاريخ لا يكتب مرة واحدة فقط، بل تعاد كتابته مرات ومرات، وهذا طبعاً تحت ضغط الحاضر، أو اكتشاف مستجد يفضي إلى إعادة كتابته، أو لعله دفاع إذا ما تعلق الأمر بتاريخنا، وأمجادنا، وثقافتنا، وموروثنا وتراثنا الثقافي. لقد تغيى الباحث من خلال هذه الدراسة إعادة رسم صورة واضحة عن تاريخ قصر الدويرة، كما أنه يرمي إلى جمع ولملة ما يزخر ويتميز به هذا القصر من ذاكرة ثقافية وتراثية حفاظاً عليها من الزوال والاندثار، فقسم البحث إلى أربعة فصول تناول فيها بالدراسة والتحليل المعطيات الطبيعية والبشرية في المجال موضوع الدراسة، كما كرّ على الذاكرة التاريخية لهذا البلد تحدث فيها عن التسمية والسكان الأوائل، كما سلط الضوء على الذاكرة الثقافية والتراثية من خلال تناول طرق العيش، وطقوس الاحتفال بالزواج والمناسبات الدينية، كما أنه لم يغفل الحديث عن الثقافة اللغوية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من ثقافة البلد، ثم ختم هذا البحث بتراجم لبعض الشخصيات البارزة التي تركت بصمتها في قصر الدويرة.
 
ومما زاد هذا البحث أهمية وتميزاً هو اعتماد الباحث على عدد من المصادر والمراجع باللغتين العربية والفرنسية والرواية الشفوية التي نقب فيها لكي يميط اللثام ويزيل الحجاب ويسد الفراغ الذي خيم عن تاريخ وتراث وثقافة قصر الدويرة .
 
* أستاذ باحث