زايد جرو - الرشيدية / جديد انفو
كثيرة هي الألفاظ التي نوظفها يوميا في ثقافتنا الشعبية دون أن ندري ما لها من خلفيات تداولية في الموروث الثقافي الشعبي ومن بين هذه الألفاظ : لفظة المسمار أو " أمَسمار" باللغة الأمازيغية،وهو قطعة حديدية رقيقة ذات رأس حاد جدا جدا وهو نوعان: المسمار العادي الرخيص في الجودة والأثمان ومن السهل طيه، ولا يتحمل ضربات المطرقة كثيرا حيث ينحني تواضعا وضعفا وهونا ،والنوع الثاني هو المسمار الملقب ب " مسمار الهند" القصير ذي اللون المائل للزرقة والسواد والذي يتحمل الضرب كثيرا ، ويبقى متصلبا رغم قساوة المطرقة.... ويمكن أن يطير ويشكل خطرا على الضارب وجيرانه ،حيث الشظايا تتطاير بتوالي ضربات المطرقة على رأسه المكتنز.
والمسمار كثرت فوائده ومصائبه فمن بين مزاياه "التلحيم" والقبض والشد، ...والكل يبحث عنه في البيت وخارجه ليؤدي الوظيفة، ومن بين مصائبه التداولية في الاستعمال اللغوي وفي المعني الثانياتي أو الاستلزامي حين يخرج اللفظ عن الاستعمال النفعي فتلصق به نعوت أخرى لم تخطر للصانع على بال، ومنها حين تلتقطه نعلك أوعجلة دراجتك أو سيارتك فتصفه بنعت إنساني وتردد عبارة "ضربني ولد لحرام واحد المسمار "،ونقول أيضا نبت في مكانه كمسمار جحا وهو موضوع رواية تحكي قصة اثنان باع أحدها بيته للآخر واشترط في العقد أن يبقى فيه مسماره ويكون له الحق في أن يأتي للمسمار كلما أحب، فوافق المشتري على أساس أنه أمر مؤقت ولكنه فوجئ بحضور الرجل كل يوم صباحاً ومساءً ليطمئن على مسماره كما يقول حتى استاء أهل البيت من ذلك الرجل معللاً حقه المحرر بعقد البيع، وظل البائع يذهب يومياً للرجل بحجة مسماره العزيز،وكان يختار أوقات الطعام ليشارك أهل البيت في الأكل، فلم يستطع االمشتري الاستمرار على هذا الوضع، وترك المنزل والمسمار لجحا.
والكثير من حراس المارة بالمقاهي بالرشيدية ،يتسمرون فوق الكراسي على طول الشارع او بداخل المدينة او خارجها مدة من الزمن بعد العصر بقليل ،فيضربون المسمار وتؤذن المغرب فيرحلون للصلاة طمعا في أجر الجماعة ،والواجب ترك المكان لواحد اخر، لكنهم يتركون المسمار للعودة فيضعون " طبسيل السكر " فوق ما تبقى من القهوة الباردة التي علاها غلاف أسود بارد كالشحم ليعودوا للمكان مرة ثانية فيطلبون " تسخين الدكة " ومرة يحتشمون فيقضون الوقت على الناب ليؤذن العشاء ونفس السلوك يتكرر وقد تجاوزوا بفعلهم جحا ومسماره كل يوم ، وقس على ذلك المسامير والمسمارات بالمكاتب الادارية الذين يتركون نظاراتهم او حقائب الايادي على مرآى الاخرين وهم مسافرون في قضاء حاجاتهم الشخصية في ذروة العمل وحين تسأل الحاضر يجيب انه ترك مسماره وسيعود او ستعود وتنتظر وتنتظر الذي سيأتي ولا يأتي من فصيلة جحا او جحوات ..
وهناك أصناف من الناس طوروا مسمار جحا في الحاضر فتكتري بيته ويقول لك صاحبه لن أكتري لك هذه الغرفة فيها متاع أخي في المهجر الذي يطل من حين لآخر قبل أن يرحل وما هي إلا ذريعة للدخول للبيت والاطمئنان على ملكه ،فيزور الغرفة ويفتحها ويشعل الضوء والتلفاز للدلالة على أن البيت بيته، وما أنت إلا نافع في الحاضر ،وضار وغير مرغوب فيك في زمن آخر...
ومن بين الاستعمالات أيضا حين ينعتك أحد بالقول أنت كالمسمار ويقصد قامتك القصيرة وبنيتك الرقيقة وقد يصفك بالشح أو الدخول في" تفضوليت" وتبحث عن أي مكان للدخول فيه ،ولا يخيفك ولا يزعجك غير الضرب على الرأس. بل من يقول من الناس "أنت مسمر" أي على أهبة السفر ، وقولهم خصني "نسمر العَوْد" حتى لا يصاب بالأذى والوصول بسرعة أو" واش خصك شي مسمار ف راسك " وكم عاني الناس من مسمار الكيف الذي ينخر الاصابع او الارجل ويسكن اعواما ولا يغادر الا بالكي .... ،وهي معان برع فيها الشعب المغربي في دقة النعت ونقله الوصف بأقل العبارات المختزلة الممكنة وقد يكفيك أن تعيش في المتاه منهزما صامتا أخرس كالمسمار من أن تعاشر أقواما لن تلمح منهم غير النواح والجراح .