أحمد بيضي - خنيفرة

تميزت فعاليات تخليد الذكرى 98 لاستشهاد موحى وحمو الزياني هذه السنة، في خنيفرة، بإخراج استثنائي على مستوى البرنامج واللوجيستيك، وتخللت المناسبة عدة فقرات شارك فيها تلاميذ المؤسسات التعليمية بلوحات موسيقية وغنائية، ومؤسسة الإبداع الفني والأدبي بلوحات تشكيلية وفنية، وإعطاء الانطلاقة لعملية غرس وتشجير محيط ضريح موحى وحمو الزياني بشجر الأرز، ثم إطلاق اسم ”المقاومة“ على الطريق المؤدية إلى تملاكت (ضريح موحى وحمو الزياني) انطلاقا من الطريق الإقليمية 7306 ،والتي تم تقديم بطاقتها التقنية إلى جانب بطاقة تقنية حول المدرسة الجماعاتية بأجدير التي أطلق عليها اسم ”الشهيد موحى وحمو“، مع تقديم بطائق تقنية أخرى همت شجرة الأرز واقتراح مجال غابوي يحمل اسم غابة المقاومة، ثم الإعلان عن مشروع كهربة عدد من دواوير تملاكت.

وتميز الاحتفال بتنظيم ندوة فكرية قام بتسييرها الأستاذ الجامعي، د. لحسن شيلاص، وشارك فيها ذ. محمد ياسين بورقة حول ”موحى وحمو الزياني قائدا ومقاوما“، ثم د. جمال الحيمر بورقة بعنوان: ”البحث في تاريخ الحركة الوطنية“، حيث لم يفت ذ. محمد ياسين طرح مقاربة جديدة لشخصية المقاوم موحى وحمو الزياني، وإزالة بعض اللبس عن مراحل أساسية من حياته، بينما ركز على تفاصيل صعوبة ”فصل هذه الشخصية عن السياق التاريخي للمغرب“، وما يجب على أي باحث ”قراءتها في نطاق الخصوصيات الثقافية والسياسية“ لقبائل زيان والأطلس المتوسط.

وتطرق المتدخل بالتالي لعلاقة موحى وحمو بالسلطان الحسن الأول وتحوله من زعيم قبلي إلى قائد سلطاني وظروف تهيئه لزيارة قام بها هذا السلطان إلى خنيفرة، كما لم يفت المتدخل الكشف عن بعض الوثائق التي أكدت الرفض القاطع الذي عبر عنه موحى وحمو تجاه عقد الحماية، قبل توقفه عند سياسة النظام الضريبي التي نهجها هذا الرجل الأسطورة، ومشاريعه في تأمين الممرات الإستراتيجية وهيكلة العمران والأسواق، وفك العزلة عبر الطريق الرابطة بين فاس ومراكش، قبل أن يغوص المتدخل في المراحل التي تحول فيها موحى وحمو الزياني من قائد سلطاني إلى مقاوم شرس في مواجهة الاستعمار الفرنسي. وبدوره، تناول د.

جمال الحيمر تاريخ الحركة الوطنية والمقاومة ومدى ”قيمة التاريخ في تداوله وتحسين إنتاجه بشكل علمي“، طالما أن ”التاريخ لا يتحكم فيه المؤرخ“، وكيف أصبحت قراءته ضرورية في مغرب يعيش، منذ أكثر من عقدين، مرحلة سياسية جديدة، وانطلاقا من سؤال: ما هي حصيلة الكتابات التاريخية؟ تساءل المتدخل عن ”الرسائل والوثائق التاريخية التي ما تزال مجهولة المصير أو هي قابعة في رفوف معينة خارج النور“، رغم أن التاريخ بات يحتل موقعا مهما على الخريطة الثقافية والسياسية المغربية، مقابل ”استحالة كتابة تاريخ المغرب ومقاومته من دون الاستناد إلى الأرشيفات الأجنبية“ يضيف ذات المتدخل.

وقد انطلقت فعاليات تخليد الذكرى، بمنتجعات تملاكت بخنيفرة، في حضور المندوب السامي لقدماء المقاومين وجيش التحرير، الدكتور مصطفى الكثيري، وعامل إقليم خنيفرة، إلى جانب شخصيات قضائية ومدنية وعسكرية وإدارية ومنتخبة، وفعاليات جمعوية وثقافية وسياسية وتربوية وإعلامية، وحشد من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، حيث تمت زيارة جماعية لضريح الشهيد موحى وحمو الزياني، لينتقل الجميع إلى مهرجان خطابي تم استقباله بسرب من الفرسان، في دلالة على تاريخ المقاومة الزيانية الأمازيغية، إلى جانب لوحة فولكلورية من فن أحيدوس الذي له رمزيته في تاريخ المقاومة الزيانية، منذ اليوم الذي تحلق فيه عدد من الشيوخ والنساء يرقصون رقصة أحيدوس احتفالا بالانتصار في معركة لهري فحلقت طائرة فرنسية فوق رؤوسهم وأخذت تقصفهم بالنار.

وافتتح المهرجان بكلمة النيابة الإقليمية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، ذكرت بمعاني ودلالات الاحتفال بذكرى الشهيد موحى وحمو وروائع كفاح قبائل زيان والقبائل المجاورة، بعدها كلمة ترحيبية تقدمت بها تلميذة من المنطقة باسم الساكنة، والتي تناولت فيها بطولات الشهيد وأمجاد الأجداد في التصدي للمخططات الاستعمارية وما تنطوي عليه الذكرى من قيم المواطنة، إلى جانب كلمة باسم أحفاد وعائلة الشهيد موحى وحمو الزياني، التي أبرزت دلالة تخليد ذكرى الشهيد موحى وحمو الزياني، ومستحضرة المواقف البطولية لهذا البطل الزياني ومعاركه.

ومن خلال كلمته، استحضر، المندوب السامي، الدكتور مصطفى الكتيري، أهم المعارك التي خاضتها القبائل الزيانية بقيادة موحى وحمو الزياني ضد الاحتلال الفرنسي ومرتزقته، منذ سنة 1908 ،سواء بقبائل الأطلس المتوسط أو بالشاوية وسهول سايس وزمور وزعير، وتافودايت وأكوراي، ثم بني مطير ووارغوس بوادي زم وغيرها، وإلى معركة لهري الخالدة، التي وقعت يوم 13 نونبر 1914 ،وإلى تاريخ استشهاد موحى وحمو، في 27 مارس 1921 ،على أيدي الغدر بمعركة ازلاك نتزمورت بجبل تاوجكالت أثناء مواجهة قوات الجنرال بوميرو، ولم يفت المندوب السامي اعتبار الذكرى محطة لإذكاء التعبئة من أجل صيانة التاريخ المغربي الوطني، كما ذكر بالدلالات العميقة التي يكتسيها تخليد ذكرى رمز تاريخي ظل موحدا لجماهير الفلاحين وللقبائل وسكان الجبال في مواجهة القوات الاستعمارية، رغم تفوقها عدة وعتادا.

وفي ذات السياق، انتقل المندوب السامي بكلمته إلى الحديث عن محاولات المستعمر لبسط نفوذه على مدينة خنيفرة سنة 1914 ،بأمر من القادة الفرنسيين الذين أكدوا على ضرورة ”تصفية خنيفرة“ وتضييق الخناق عليها، باعتبارها ”المدينة التي يصعب قهرها“ على حد ما جاء في جريدة ”لومانيتي“ لسان الحزب الشيوعي الفرنسي، وحينها اصطدمت المخططات الاستعمارية بحائط موحى وحمو الزياني الذي اعتبرته الرجل العنيد في وجه مشروعها بالمغرب، وقد حاولت استمالته وإغراءه بشتى الوسائل دونما جدوى، قبل أن يلجأ إلى ”حرب العصابات“ على منوال رفيقه عبدالكريم الخطابي في معارك الريف، ولم يفت الدكتور مصطفى لكثيري التوقف عند معركة لهري الشهيرة التي تمكن فيها البطل موحى وحمو الزياني من تحطيم الجيوش الفرنسية بهزيمة لم تشهد لها فرنسا مثيلا على مستوى شمال إفريقيا.

وفي ذات المناسبة، تم تكريم 12 فردا من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير المنتمين للإقليم (9 منهم من المتوفين)، ُقدمت كلمات في حقهم، وذكرت ببطولاتهم وتضحياتهم وإسهاماتهم في معركة التحرير والكفاح الوطني، بينما تم توزيع إعانات مالية ومساعدات اجتماعية على بعض أفراد أسر المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وإلى جانب ذلك تميز الاحتفال بعملية توزيع شهادات تقديرية وجوائز رمزية على عدد من الفرق والتلاميذ الفائزين في مسابقات ثقافية، تربوية ورياضية، خلال لقاءات وأمكنة مختلفة.