زايد جرو- الرشيدية /جديد انفو

الرحل بالجنوب الشرقي منذ الأزل طبعوا على الترحال وراء الجبال  وبالأودية وبمحاذاة من  الواحات للتبضع من أسواقها   مرة  واحدة في الأسبوع يتنقلون  إليها  بالبغال أو الحمير مساء  ويبيتون بمدخل القصور والقصبات ، ويقتاتون من كرم أهل البلدة، ويبيتون في العراء بجانب دوابهم ليكونوا  في موعد مع السوق مبكرا ،حتى تتسنى لهم العودة مسرعين محملين بالمأكولات ذات النفع الفردي والجماعي ومعظم خبراتهم الحياتية  تناقلوها بالوراثة والتأثر والتأثير فيأخذون العادات والتقاليد منها  وينقلونها جيلا لجيل ويعتادونها، وتمثل برنامجا يوميا أو دوريا لحياتهم.

وقد اعتاد الرحل بالجنوب الشرقي في رمضان الكريم أن يستيقظوا  قبل الفجر كباقي الأيام الأخرى وقد تُوزع الأدوار  لليوم الموالي ليلا من الأب أو العم أو الأخ الأكبر، أو من الأم أحيانا في غياب الأب حيث يتم التنبيه إلى الدواب العليلة أو السقيمة  أو التي تعاني ألم المخاض، أو التي لا يجب أن يرضعها الخرفان لتوفير الحليب للمساء ، أو التي كثر صوفها  ويجب" دزها "والتي ستباع في السوق المقبل  وذاك جزء من النشاط الاجتماعي للأفراد في أي مجتمع  رحالي، ولا يظهر بين يوم وليلة، بل يأخذ سنوات حتى يثبت ويستقر، و لابد  من سنوات أطول حتى يتغير ويتحول.

وعاداتهم في رمضان غالبًا ما تنشأ لوظيفة اجتماعية ينتفع بها كل أفراد الخيمة ، وتصبح نمطا اجتماعيا يعمل على تقوية العلاقات الاجتماعية بين هؤلاء الأفراد ،ويؤدي إلى وجود اتفاق في سلوك معين بينهم  ،فتصبح العادات سلسلة  تنتقل حلقاتها من جيل لآخر، وقد تصاحب هذا الانتقال بعض التغيرات بالزيادة أو النقصان، سلبا أو إيجابا، بما يتفق مع ظروف وقيم كل جيل، وقد تتلاشى الوظيفة الاجتماعية لهذه العادات أو التقاليد، أو تنتهي نتيجة تغير الظروف ، إلا أنها تبقى  سلوكا   تمنحهم الأمن والاطمئنان.

أذان المغرب عند الرحل غير مسموع ويبقى المقياس الوحيد لضبط وقت الإفطار والصلوات هو حركة الكواكب والنجوم والضوء والظلام ، لذلك يكره الرحل أن يناموا بعيدين عن مدخل الخيمة حتى تتسنى لهم المراقبة الدقيقة للعالم الخارجي ،ووجه  النائم دائما صوب المدخل أو صوب  نوافذ صغير بجوانب الخيمة من الأعلى  تظل مفتوحة طوال الليل حين ترحل الرياح القوية، وحين تغيب الشمس بقليل، ويأتي الراعي بالغنم أو الراعية يتفقد الأب أحوال الماشية ويجتمع الجميع في دائرة مصغرة حول طاولة خشبية  مدورة وفراش بسيط فوق حصير من سعف النخيل أو من البلاستيك حاليا ،وحتى كلابهم بجوارهم ولا وجود للقطط في هذا المجمع ،يجتمعون كلهم حول البسيط والبساطة : تمر معجون في إناء  قصديري أبيض أو أزرق وحليب الناقة أو المعز أو الشياه وهو الأفضل لأن رائحته تكون أخف مقارنة من حليب المعز أو الناقة ،ولا بد من الشاي الطبيعي الشديد الدكنة من صنع الأب في حلقة دائرية حميمية لا يسمع  فيها إلا صوت الأكل وقضقضة عظام التمر من الكلاب ويجب تأخير شرب  المياه رغم شدة الحر حتى نهاية الأكل ،إلا إذا اختلس بعضهم الأب وشرب  من الكوب البلاستيكي الذي يشرب منه الجميع إلا البهائم والذي تضعه الأم فوق سدادة " تلبيدوت المخنشة " والتي خبأتها بإحكام  في حفرة بالخيمة تجنبا للحرارة، ولا بد من الحريرة المصنوعة من " الوركية" أو تزاخت" أو من النباتات الطبيعية  الصحراوية التي لا تؤذي البطن حسب التجربة وبعض من الخبز المحشو بالشحم و التوابل الشديدة الحرارة التي اقتناها الأب بعناية خصيصا لشهر رمضان. ولا حضور لوسائل الإعلام إلا للمذياع الذي يلتقط الإذاعة الأمازيغية وغيرها من الإذاعات غير محبب ولا مفضل إلا في غياب  إذاعتهم الرسمية ،وبعد الأكل بقليل تُقضى الحاجات في العراء غير بعيد عن الخيمة أو بجوار الماشية ليخلد الجميع للنوم  بعد سماع حكايات من الأب أو الأم أو بعض المغامرات مع النشالين في الأسواق أوحكايات الجن والعفاريت والشياطين والعوالم الغيبية ، أما  وجبة  السحور فتكون متأخرة  ولا تعدو  أن تكون  مرقا يسبح في مياهه الكثيرة البصل والطماطم وبعض من اللحم المجفف الذي يكون شديد الملوحة  أو جبنا أو بعض العسل أو"السمن المعتق الحار " ولا بد من الشاي الداكن الذي تسمع لارتشافه صوتا قويا  من الشفتين استمتاعا وتلذذا  ليستأنف الجميع الحياة الرعوية بعد الأكل بقليل ،وللمرأة دور هام ومؤثر في الحفاظ على هذه  العادات والتقاليد، وانتقالها من جيل لآخر، نظرًا لدورها الكبير في عملية التربية والتنشئة.

لكن معظم الرحل في الحاضر غيروا من عاداتهم لأن الحداثة غزت كل شيء وتجد في مائدة  إفطارهم  بعض الحلويات كالشباكية والقهوة والخبز المحشو بجزيئات من اللحم ويلتقطون البث التلفزي بالمقعرات استعانة  بالبطاريات التي يحملونها للشحن كل أسبوع والهواتف النقالة وغيرها من الوسائل الحداثية.

عادات الرحل قد مسها التغيير  كما مس باقي أنماط الحياة الأخرى في كل مكان  وأغلب الأباء والكبار منهم متذمرون  من حياة الترحال والتنقل حيث وجدوا أنفسهم أن العمر قد  رحل كله  أو معظمه وهم على حال واحد من مرارة العيش  ونقلوا العذاب لأبنائهم و ما جنوا من حياة البدو  غير النحس، أما أبناؤهم فلم تعد لهم رغبة في هذه الحياة لأنهم أرادوا العيش الكريم  كما يرون ذلك في  تلفازهم مما سيحدث خلال مستقبلا في منظومة الحياة الاجتماعية للرحل.

إن  انقراض العادات والتقاليد الموروثة لدى الرحل   من أخطر الأمور في حياتهم  لأنها ستشكل خللا في تنشئتهم الاجتماعية ، لكن كيف يمكن  المحافظة عليها هو سؤال عريض ويصعب تحديد المسؤوليات فيه.