زايد جرو - الرشيدية/ جديد انفو

سكان الواحات بالجنوب الشرقي تعايشوا مع الطبيعة الصامتة والصائتة في  خضرة طبيعية بين الجبال والسهول.. ووديان  تجود بحمولات قوية تنتعش بها الفرشة المائية وتُسقى بها  عروق الأشجار المختلفة أشكالها وثمارها  حين تمطر ... أشجار مباركة  تم ذكرها في القرآن الكريم من تين وزيتون  وأعناب ورمان  ونخيل، السكان  أدركوا بكل عمق قيمة الواحة السحرية  بخيوط شموسها الحارة نهارا  وبضوء قرص قمرها  الوضاح بين النجوم المتلألئة الصافية الزاهية  ليلا، بها  يحلو السمر ،حتى يعانق  ضوء الصباح ظلمة الليل التي تغادر في  صمت رهيب وهي تجر كسوة السهر  في حشمة وانكسار.

الواحات بالجنوب الشرقي خلدتها النخلة عبر التاريخ ، بعطائها تغنى أهل المشرق في قريضهم وبطولها تغنى أهل  المغرب  بالأندلس والأهالي بالسودان في نظمهم  ، وكل الساكنة بالواحات لها القصص والحكايات التي لا تنتهي  مع النخلة سواء  في تسلقها أو السقوط منها أو في تنقيتها من الزوائد التي تمنع نموها أو من "كرنافها" الذي يمتص بعض مياهها  أو  حكايات مع قطع "جريدها" وحمله في حزم بين الأيادي عناقا  حيث تدمي  أشواكها السواعد ، أو  قصص في تأبيرها أو قطع ثمارها في يوم  موحد يُطلق عليه يوم " لقطيع" الذي تحدده القبيلة، والذي يدوم أياما حسب جود النخلة، وحسب ما يملكه الفلاح الواحي من أشجار.

قطع التمور بالواحات له طقوسه  الخاصة الممتعة والمتعبة  تتطلب" لقط " التمور من الأرض بعد رمي " العرجون"  من أعلى الشجرة ثم جمعها " وحدة وحدة"  لتوضع  في " شواري " أو " الزنبيل " ولتحمل على  ظهور الحمير أو البغال أو على شكل رزم تحملها نساء الجنوب الشرقي الصامدات على الظهور وهن منحنيات لمسافات طوال، أو تجمع في قفة كبيرة ليحملها  الإنسان رجلا كان أو امرأة ، لمكان يسمى " النوادر" أو "إنرارن" ليبدأ عمل آخر هو:  التنقية  وعزل الجيد من الردئ والصالح للأكل والصالح للتعليب وغير الصالح الذي لا يليق إلا بالبهائم من البهائم.

عزل الرفيع من التمور والجيد منها يتطلب وقتا كبيرا تشتغل فيه الأسرة جميعها من الصباح حتى المساء حيث تنقى من " لَحْشف أو أشُوش أوأغيغويْ " وهو نوع من التمر اليابس الذي لم يكتمل نضجه ،أوجف بالحرارة المفرطة، ولم يعد صالحا للأكل ،ويقدم للبهائم التي تجد معه صعوبة في المضغ لصلابته ،وصِغر حجمه أحيانا، ويجمع ويوضع في أكياس بلاستيكية لتستفيد منه الماشية لاحقا حين يضن ويشح العشب بالواحة.

وكلمة لحشف في المعجم العرب هي أردأ  التمر وهو الذي يجف ويصلب ويتقبض قبل نضجه  فلا يكون له نوى ولا لحاء ولا حلاوة  ولا لحم والحشف ايضا الضرع الجاف  ..وأهل درعة تافيلالت أو ساكنة الواحات عموما  لها من الكلمة دلالات قدحية كثيرة ،حيث تخرج اللفظة من معناها اللغوي المتداول، إلى معاني استلزامية حوارية يقوي دلالتها المقام اللغوي بالتأويل وقد تعني  اللفظة الاحتقار، لأنه لا يمكن إكرام الضيف   ب "لحشف" بل من  العيب حتى أن يجد  "حشفة "واحدة محشوة  داخل طبق التمر، وتكون دلالته قوية حين نستعمله في نعت الناس بالقول " فلان كالحشفة" للدلالة على اليبوسة والشح ،وقلة الشأن،  وفلانة كالحشفة أي لا جمال فيها ولا إدام في  وجهها ، ورقيق عظم ساقها،  و كعبها عجيف ،ولا جمال للخلخال عليه، وما في  كلامها غير السم  والنقع ونقول " هادوك غير احشف" أي من أذلة الناس ،بل تنقل الدلالة إلى قيم آخرى بناء على أمثلة مشهور فنقول " شارطوا معانا ب لَحْشَف أُحْنا صلينا ليهم بالكَاعدية" أي قللوا من شأننا، وكان الجزاء بالشر وغير ذلك من التأويلات. ويقولون باللغة الأمازيغية في ذم ذوي البشرة السوداء " أشوش اونكال" وأيضا "يون اشوش اسخمج اشواري" و قد تستعمل  اللفظة في الإيجاب فيقولون :   فلان  ولد رجالا ولا فيهم " يون أشوش" والتمّار( الذي يبيع التمر ) أدرى وأعلم من كل الناس بما تعنيه كلمة لحشف لاحتكاكه بها يوميا .

وهناك مصطلحات أخرى لا تدرك دلالتها إلا ساكنة الواحات ولها ارتباط بالتمر قبل نضجه مثل " ارْكَم" وهو البلح الناضج  وضده" الغصّاص "وهناك " الصّفار " حين يصفر البلح وهناك " النّقار" حين ينضج جزء قليل منه من القعر، وهناك " البنْطوش" حين ينضج كله، وهو مازال طريا معلقا ب " العرجون" وهناك "الخُسيان" وهو البلح الذي لم يتم تأبيره ويكون ضعيفا وطويل البنية ولا يؤكل وهو للبهائم أيضا ... أما حين يكون " الزر" أي العنقود الصغير من التمر ناضجا فالساكنة  تشبهه بقضيب الشواء الذي طاب على حرارة  الهواء فيقولون " شْوى اللي طايب على لهوى" أي التمر الذي يشبه الشواء في النضج ويختلف عنه في  وسيلة الطهي : الشواء نضج بحرارة النار، والتمر نضج بحرارة الهواء.... فمعجم النخلة قوي بدلالته متنوع في استعمالاته ،رغم اختلاف ساكنة الواحات في التلفظ به، وله دلالة وصفية عميقة أيضا في الوصف بالإيجاب .