زايد جرو - الرشيدية / جديد انفو
فصل الصيف والعطل المدرسية تكون الفرصة سانحة للحركة، ولا أحد يرغب أن تمر فترة راحته بين نفس الجدران التي قضى فيها السنة بكاملها ، الأطفال يقلقون راحة الآباء ،وينهكون جيوبهم الباردة في حر الصيف ، فيجهدون النفس قرضا واقتراضا ،في ظل وضعية اجتماعية هشة من أجل إرضاء الوُلد وتجنب لغط النساء.
استعد عبد الرحمان المنحدر من الرشيدية للسفر لقضاء العطلة خارج مدينته وجميع اسرته أعدت العدة فلبسوا ماطاب وما تشيهيه النفس ويليق بالمقام ، ووضع الكل النظارات الواقية لأشعة الشمس ، وامتطوا السيارة الملعونة التي تعلو حرارتها منذ عقبة "البَراج " والشمس لم يشتعل فتيلها بعد ..استمتع الحاضرون بالقراءة القرآنية الفيلالية بداية وأغاني البلدي والبولماني في ما بعد ..الراكبون من الخلف يدردشون من حين لآخر ويمزحون مزحا مقبولا وغير مقبول وعبد الرحمان الأب عينه على محرار السيارة فيصعد جوفه وينزل وهو يتصبب عرقا في برودة الصباح خوفا من العطب وحرصه كبير على احترام قانون السير تجنبا لاستجداء أهل الحال الذين ينتشون بغلاء تسعيرات المخالفات ويستوقفونك في الطريق بحجة حزام السلامة الخلفي مرددين " تخلص هنا اوستاذ ولا هناك ؟ وتبدأ في الاستعطاف وفي الأخير تؤدي الثمن وما كلامك إلا طنينا حملته الرياح للغياهب .
تلوت أمعاء الصغار جوعا وتوقفوا ب " زايدة " للتزود بالزاد واختار الجميع الشواء رغم ان وقت الغذاء لم يحن بعد ألقى عبد الرحمان نظرة على الأجساد الحيوانية اللحمية المعلقة على أبواب دكاكين الجزارين كالملابس على السطوح، وهي تحمل توقيع الطبيب البيطري، يشهد بصلاحية استهلاكها ،أتاه رب المقهى ،بمنشار صدئ والذباب كالضباب يتبعه ، متزاحمة على الشحوم الصفراء فسافر المنشار ذهابا وإيابا بصعوبة لأن اللحم المعلق بلغ من الكبر عتيا ونجار اللحم ينجر وينجر الضلوع الغليظة وعبد الرحمان يتابع الحدث وفي نفسه اكثر من سؤال، الرائحة النتنة المختلطة بالعرق والسيجارة، و بعض قطرات زيت الشحم تقطر على الأرض، وهو ينتظر انتهاء المعركة، والأبناء يتأففون، والذباب الأسود والأزرق يتجول ولا يزاحم بعضها بعضا لكثرة المنتوج المعروض... الشمس بدأت تحرق اللحم وبدأ طحن "الكفتة" لشويها على جمر أحمر يسقيه النادل بماء اسود وهو يرتدي وزرة تحول لونها بالاوساخ إلى لوحة تشكيلية تداخلت فيها الالوان الابيض الاحمر الازرق والاسود ...
أتى النادل بالكفتة فوقها بصل بعضه احمر وبعض ابيض وقطع من الطماطم على شكل " رونديلات " مرددا بالصحة أوستاذ ولو لم تكن أستاذا ، تشريفا لك بناء على مرجعية مكانة الأستاذية أيام االزمن الجميل ،فشم الجميع رائحة الجيفة وتركوا كل شيء للذباب والقطط الا عبد الرحمان أكل الكثير منها حتى التخمة وهو يلوم ابناءه " انتما شبعتو على نعمة الله خليكوم بَجّوع " أدى الثمن طبعا، وغادر المكان لدكان مجاور للمواد الغذائية بحثا عن" لفروماج وكوكا كولا" للآخرين المتأففين وسمع من أبنائه الكبار والصغار الذي يليق ولا يليق.
عبد الرحمان تخوف من اكل الطاجين لزيوت القلي التي تستعمل فيه، فخاطب أبناءه بعدما شبعوا من كوكا وهم " يتكرعون " بدرجات متفاوتة " مرددا ما يأكله المسافرون في سفرهم مرض في مرض، وكم شخصا تعرض للإسهال الحاد، وكم شخصا أغمي عليه، وكم شخصا نقله الإسعاف بعد وصوله، وكم طفلا عانى طول الحياة، وكم بالغا مازالت معاناته مستمرة منذ سنوات لأكله كفتة " حمار أو حمارة ميتة" ورحمة الله الواسعة على ضحايا الأكلات بزايدة وغيرها.
تزاحمت الافكار بمخيال عبد الرحمان ونسي محرار السيارة قليلا لبعض البرودة التي تهب في الطريق نحو ازرو وقال من جديد لتكسير الصمت المعتم : المراقبة منعدمة في محطات الاستراحة ولا شروط للسلامة الصحية : "سراق الزيت" يزاحمك ،والقطط تهاجمك في محطات عديدة منها " العرجات ، واد جديدة لمهاية، مشرع بلقصيري، سوق أربعاء الغرب، زايدة ، لعرايش بوزنيقة ، تدارت ...." ولا يمكن بالقطع أن نصل مرتبة الدول الغربية ،أو بعض الدول العربية المتقدمة حيث المأكولات فيها معلبة داخل ثلاجات درجة التبريد فيها عالية ولا ذبابة واحدة تطنطن ولا وسخة ولا قطة ولا ..ولا... ولا...
على بعد كيلومترات من مدينة ازرو أحس عبد الرحمان بالدوران والدوخة كالمرأة الحامل وبدت حركته غير عادية وبدأ يلوي عنقه في كل اتجاه احس بأمعائه تكاد تطير من أحشائه ولم يكترث لحرارة محرك السيارة ولا بحزام السلامة فخفض السرعة أكثر رغم انها ضعيفة أصلا وأرخى حزام سرواله ولاحظت زوجته حركاته غير العادية فخاطبته بصوت قوي " احشم شويا اش تدير ها ولادك حداك " حيث اعتقدت شيئا آخر ...عبد الرحمان لم يجب فتوقف وأسكت محرك السيارة فاستيقظ النائمون مرددين "بابا ياك لاباس مالك ..." وهو الوحيد الذي يعرف ما به نزل بغابة القرود وابتعد قليلا حتى لايتيه وتحت شجرة أرز وقبل ان يستعد للخروج كعادته ضعفت " فرانات" مؤخرته ونزلت المياه من سوأته بكل الالوان وفطن لحركة غريبة قبل انهاء المهمة ورجم بحجارة رقيقة ودقق النظر من جوانبه فرآى قردا وكثرت الاصوات من فوقه فرفع رأسه فشاهد القردة بشتى الاحجام تتجمع فخاف ان يصبح وليمة لها فظن بها خيرا فضحك قائلا " هيه يا زعطوط تتسناو الوليمة مصائب قوم عند قوم فضائل " وما كاد ينسحب من اسفل الشجرة حتى بدأ اللحس والصراع على وجبة ما خرج من عبد الرحمان من مياه عادمة ملوثة ...عاد عبد الرحمان للسيارة بخطوات وئيدة يجر رجليه ووجهه مصفر والزوجة قلقة والأطفال متأففون فتابع الطريق بدوخة كبيرة وتوقف من جديد وتكرر الفعل مرات عديدة وما وصل الاهل بمدية ازرو الا بشق الانفس .
تسلل عبد الرحمان من بيت الاهل بازرو وقصد الصيدلية دون وصفة طبيب وتبضع من الدواء الكثير وربح منه الصيدلي الكثير أيضا دون حشمة ولا احترام للمهنة وعاد للبيت يمشي الهوينى.. وكلما دخل المرحاض وخرج تدخل زوجته من خلفه لتنظيف المكان من الفتاة المتطاير على الجوانب، وتحسن حال عبد الرحمان قليلا وخاطب الجميع بعد احتشام كبير قائلا إذا مررت بزايدة ووصلت سالما، فاشكر الله كثيرا على سلامتك، وسبح له في الصبح والعشي ،ولكن تذكروا أن الدور عليكم المرة المقبلة، كما قال القذافي لرؤساء وزعماء وملوك العرب العاربة ،وأضاف لا يجب أن نعمم حتى لا نكون من العدميين كما تقول الحكومة النصف الملتحية، فهناك من أرباب المقاهي من هو حازم أمره ، يراقب الجودة باستمرار ..
رافقتكم السلامة أيها المسافرون في سفرتكم ،وشدوا الحزامين : حزام السلامة الطرقية بسياراتكم ،وحزام سراويلكم حتى لا تقضون ما تبقى من عطلتكم بالقرب من أبواب المراحيض تنتظرون قضاء حاجاتكم دون فرامل.