مصطفى ملو + سعيد وعشى - بومالن دادس / جديد أنفو
 
تزخر منطقة الجنوب الشرقي المغربي بالكثير من المؤهلات و المواقع السياحية التي تستهوي السياح من مختلف بقاع العالم, فإلى جانب قصاباتها التي تعتبر فنها المعماري المميز و التي صنف بعضها تراثا عالميا كقصبة أيت بنحدو بالقرب من مدينة ورزازات, و واحاتها التي يعد بعضها من بين أطول و أجمل الواحات في العالم و رمال صحرائها التي تجلب الراغبين إما في أخذ حمامات رملية ساخنة و إما للاستمتاع بمشهد واحد من أروع شروق الشمس في الكون ببلدة مرزوكة السياحية.
 
“إلى جانب كل ذلك”, تنتصب في جزء كبير من المنطقة مرتفعات صخرية راسمة مضايق و خوانق غاية في الحسن و الجمال, و ممرات جبلية خطرة ذات منعرجات وعرة لها عشاقها من محبي المغامرة و التحدي, و لعل أشهرها في الجنوب الشرقي على الإطلاق، منعرجات “تسضرين”.
 
وتسضرين أو تسطرين: جمع لكلمة تاسضرت أو تاسطرت(حسب النطق), كلمة أمازيغية تطلق محليا على ممر أو درج جبلي ضيق و متعرج يبنى بالأحجار, وقد كانت هذه الممرات تستعمل أساسا لتنقل الأشخاص مشيا على الأقدام أو باستعمال البغال و الحمير في فترة تاريخية لم تكن فيها وسائل النقل الحديثة قد وصلت إلى المنطقة بعد.
 
تقع منعرجات تسضرين بإقليم تنغير و تحديدا بين جماعة أيت سدرات الجبل السفلى و جماعة أيت سدرات الجبل العليا, على الطريق الجهوية رقم 704 الرابطة بين دائرة بومالن دادس و قيادة مسمرير, و ينتمي هذا الممر الجبلي الذي يبلغ طوله حوالي كيلومتر و يقع على ارتفاع يناهز 1800 مترا إلى سلسلة جبال الأطلس الكبير, و تبعد عن مركز بومالن دادس بحوالي 30 كيلومترا.
 
تم حفر منعرجات تسضرين- كما تؤكد ذلك الروايات الشفوية و تذكار صخري موجود بها - سنة 1933 من طرف فرقة عسكرية فرنسية يرمز لها ب “CSP ” وهو اختصار ل”Compagnies des Sapeurs Pionnières”, التي ظهرت في صفوف الجيش الفرنسي منذ ق18 و مرت بمراحل تطور حيث كانت مهمتها في البداية هي تفجير ما قد يضعه العدو من عقبات و كمائن بإلقاء القنابل و المتفجرات عليها, قبل أن تتحول إلى فرقة متخصصة في تشييد الطرقات و السكك الحديدية و مد أسلاك التلغراف و بناء مواقف السيارات و إدارات المستعمر في كل من الجزائر و المغرب بإشراك الأهالي,إذ “يرجع لها الفضل”في إخراج مجموعة من الطرق و الأنفاق إلى الوجود.
 
وإذا كان الكثيرون يعتبرون “الحمار أقدم مهندس في التاريخ”في إشارة منهم إلى الدور الكبير الذي لعبه هذا الحيوان في “تخطيط و هندسة” مجموعة من الطرق خاصة في المناطق الجبلية, حيث كان يتم إطلاقه ثم اقتفاء أثره, وذلك لأن “ذكاء الحمار”يجعله يختار أسهل الطرق و أكثرها اقتصادا للطاقة و الجهد, كما أنه يهدي إلى الطرق الآمنة و يظل متسمرا في مكانه في حالة الخطر, فإن حالة إنجاز منعرجات تسضرين لم تختلف عن هذا الرأي, إذ إن الروايات الشفوية المتداولة سواء في أيت سدرات الجبل العليا أو السفلى تتفق على أن إعداد خريطة هذه المنعرجات تكلف بها “مهندس من نوع آخر” هو الحمار !
 
فعند حلول الفرقة العسكرية الفرنسية(CSP) التي تكلفت بإنجاز هذه الطريق-تضيف الرواية الشفوية- استعانت بحمار تم إطلاقه من الأسفل و تتبع أثره نحو الأعلى باستعمال الجير لرسم المنعرجات!!
 
فيما مضى من الزمن, أي قبل تعبيدها, كانت منعرجات تسضرين توصف بأن “الداخل إليها مفقود و الخارج منها مولود” على حد تعبير أحد سائقي شاحنة بيدفورد لنقل البضائع الذي كان يستعمل هذه الطريق بكثرة في فترة السبعينات, حيث يقول علي”كنت في كل مرة أمر فيها بتسرضين أقول في نفسي سيكون هذا آخر يوم في حياتك يا علي, لقد كنت أشاهد كيف كانت تكون عجلات البيدفورد على وشك الانزلاق نحو الحافة فكنت أحاول التحكم في المقود ما أمكنني ذلك و بعد الصعود إلى القمة أو الهبوط إلى السفح كنت أتنفس الصعداء و أقول في نفسي:حمدا لله على سلامتك يا علي لقد ولدت من جديد, لقد اجتزت الاختبار بنجاح, و رغم خطورة تلك المنعرجات,فإنه لم يكن عندي بديل آخر للوصول إلى مسمرير”.
 
ما قاله علي عن منعرجات تسضرين لا يختلف كثيرا عما أوردته مجموعة من المواقع الإلكترونية العالمية المتخصصة في السياحة و الأسفار, فهذا موقع أمريكي يسمى Automoblog.net, في مقال منشور بتاريخ 24 غشت 2011 معنون ب “اشعر بالتشويق: الطرق العشرة الأكثر خطورة في العالم” و التي-حسب ذات الموقع- يصعب حتى على لويس هاملتون السياقة فيها, يصنف تسضرين كرابع أخطر طريق في العالم, حيث جاء فيه:”كالثعبان الضخم ملتفا حول جبال الأطلس, يمتد هذا المسار المغبر و المحفوف بالمخاطر, وتزيد من خطورته مهارات السائقين المحليين المشكوك فيها, و الذين يعتبر هذا الممر بالنسبة لهم شريانا ضروريا للحياة, و كذا أشعة الشمس الحارقة التي تفقدك القدرة على التركيز “.
 
أما موقع إنجليزي متخصص في كراء السيارات يسمى Elephantcarhire.net فقد صنف تسضرين كسابع أخطر طريق في العالم, فوصف هذه المنعرجات في مقال معنون ب “الطرق العشرة الأكثر رعبا و خطورة في العالم” لكاتب يدعى: Morgan Glover منشور بتاريخ 23 نونبر 2013 قائلا”ممر إجباري نحو مضايق دادس الجميلة, هناك ستصادفك هذه المنعرجات التي تعتبر بحق عتبة أمام الكثير من الناس الذين فشلوا في بلوغ قمتها”.
 
و يبدو أن التحذيرات التي أطلقتها هذه المواقع العالمية التي لا تنصح بزيارة تسضرين تأتي بعكس هدفها, بل إن تلك التحذيرات إشهار مجاني لها, إذ يلاحظ أن عدد زوار هذا الموقع السياحي من مختلف الجنسيات في ارتفاع مستمر و كأن لسان حال هؤلاء السياح يرد على تلك المواقع بالقول”كل خطر مرغوب, و موت واحدة هي” !
 
لقد انتقلت منعرجات تسضرين من المحلية بعد أن كانت عبارة “عن مجرد مسلك جبلي تستعمله مجموعة من القرويين و الرحل من و نحو بومالن دادس”إلى العالمية حيث صارت تستهوي عشاق المغامرة و التحدي من مختلف بقاع العالم, مما يجعلنا لا نبالغ إذا قلنا بأنها أعجوبة و تحفة فنية من ضمن تحف و أعاجيب أخرى تعج بها منطقة الجنوب الشرقي المغربي, تحفة فنية لم تعد تقتصر على كونها مصدر إلهام لمجموعة من التشكيليين المحليين الذين اختاروها موضوعا للوحاتهم و جدارياتهم المنتشرة في بومالن دادس و قلعة مكونة و تنغير.. بل تخطت شهرتها الحدود الوطنية, و لا أدل على ذلك اختيارها من طرف شركات عالمية عملاقة لتصوير مشاهد من إشهاراتها كشركة كديلاك Cadillac الأمريكية المتخصصة في صناعة أفخر و أجود أنواع السيارات, حيث كانت هذه المنعرجات مسرحا لإشهار سيارة Cadillac ATS 2012.
 
و يبدو كذلك أن تسضرين سيكون لها مستقبل في الصناعة السينمائية, إذ شهدت تصوير لقطات من فيلم هندي ينتمي إلى أفلام المغامرة معنون ب “Dishoom “, و الفيلم من بطولة ألمع نجوم السينما الهندية(بوليوود)الشباب تتقدمهم الممثلة و ملكة جمال سريلانكا ل2006 جاكلين فرنانديز Jacquiline Fernandez و النجم الهندي الصاعد بقوة جون أبرهام John Abraham و الممثل الهندي الشاب فارون دهاون Varun Dhawan.
 
و فضلا عن تصوير الإشهارات و الأفلام, فموقع تسضرين يعتبر مكانا مفضلا لهواة رياضة المشي, العدو, الدراجات و الرياضات الميكانيكة, حيث شهد سباقات لهذا النوع من الرياضات, من بينها ماراطون جبلي, ومرحلة من سباق لسيارات كلاسيكية, كما أن هذه المنعرجات لا تكاد تخلو بشكل شبه يومي من “قوافل” الدراجات العادية و النارية و “المشاة”…
 
منعرجات تسضرين إذا, موقع سياحي يدعوكم لزيارته للاستمتاع بالمناظر الخلابة المحيطة به و استراق لحظات من الراحة و الهدوء بعيدا عن ضجيج المدينة و صخبها, فهنا في تسضرين ستجدون الفنادق ممتدة على طول الطريق و جميع الخدمات التي ستحتاجونها, ورغم ما قيل عن خطورة هذه المنعرجات, إلا أن ذلك لا يعدو كونه تهويلا و مبالغة في الوصف اعتادت عليهما الصحافة العالمية لأجل الإثارة و التشويق, إذ منذ عقود من الزمن و مئات السيارات تعبر هذا الممر بشكل يومي و لم يسجل سوى حادثة كارثية و قعت سنة 1980 أي قبل التعبيد عندما انقلبت شاحنة كانت تقل ركابا و أسفر الحادث عن مقتل 20 منهم, و لا يعني ذلك ألا تأخذوا حيطتكم و حذركم كما يجب أن تفعلوا عند التعامل مع أي طريق !
 
كاميرا الجريدة زارت واحة ومضايق دادس وممر تِسضْرينْ وانجزت الفيديو التالي :