مصطفى ملو  (الصورة: أستاذ بمنطقة اوزيغمت بإقليم تنغير ينقل امتعته الى مقر عمله على ظهر الدابة )

يعاني أساتذة الوسط القروي عند كل دخول مدرسي من أزمة سكن خانقة و خاصة المعينين الجدد أو المنتقلين من مؤسساتهم الأصلية إلى مؤسسات جديدة، ما يضطر بعضهم إما للتنقل لعشرات الكيلومترات للسكن في أوساط حضرية أو شبه حضرية الشيء الذي يفاقم من معاناتهم مع مصاريف التنقل و مخاطر الطريق.

أما بعضهم الآخر فيستسلم للأمر الواقع مجبرا على اكتراء "منازل" مبالغ في أثمنتها و لا تساوي سومتها الحقيقية و المستحقة، و تحديدا في مناطق جبلية حيث يستغل بعض أرباب تلك المنازل الحاجة الملحة لرجال و نساء التعليم لفرض الأسعار التي تحلو لهم بعيدا عن أي مراقبة.

أسعار تتراوح بين خمسمائة و ألف درهم دون احتساب الماء و الكهرباء لمنازل طينية مهترئة تتحول إلى برك هنا و هناك شتاء و موطن للعقارب و العناكب و مختلف الحشرات السامة صيفا و في مناطق تفتقر إلى أبسط التجهيزات و الحاجيات،فإذا احتاج الأستاذ إلى الاستحمام بعشرة دراهم زاد عليها خمسين درهما للتنقل نحو المركز الحضري حيث الحمام،و إذا أراد سحب النقود من البنك أو دفع فاتورة الكهرباء عليه مثل ذلك و أكثر...!!

إن الغريب أن تجد سومة الكراء في تلك المناطق تفوق بكثير أسعار الكراء في المدن حيث كل شيء متوفر،و الأسباب كما أسلفنا تعود إلى غياب المراقبة و استغلال حاجة الأساتذة الملحة للسكن و النظرة السائدة لدى السكان في كون الأستاذ يقطر مالا كما تقطر بيوتهم المتهالكة شتاء،علما أنهم لا يدفعون درهما واحدا ضريبة على تلك المنازل التي يمتلك بعضهم العديد منها تدخل عليه أحيانا أكثر من ستة آلاف درهم شهرية صافية !!!

كل هذا و لا أحد يحرك ساكنا و لا أحد ينتبه إلى هذا المشكل العويص الذي يستنزف جزءا كبيرا من الراتب الهزيل للأساتذة،في حين يستفيد بعض موظفي قطاعات أخرى من السكن الوظيفي،كل هذا في زمن المدرسة الدامجة و المواطنة و غيرها من الشعارات الخاوية.

في هذا الصدد، أذكر ذات سنة و كنا قد عدنا من العطلة الصيفية فاتفق أرباب المنازل المعدة للكراء في تلك البلاد على زيادة مئة درهم عما كان عليه الثمن في السنة الفارطة،اجتمعنا نحن أساتذة المؤسسة بتنسيق مع جميع أساتذة الابتدائي غير المستفيدين من السكن الوظيفي و هددنا بشل جميع مؤسسات تلك الجماعة و رفع عريضة إلى قائد المنطقة و رئيس الجماعة باعتبارهما المسؤولين عن مراقبة مثل هذه التعسفات،و سرعان ما انتشر الخبر و سرعان ما وصل إلى القائد حتى قبل أن نقدم له تلك العريضة، فما كان عليه إلا أن أصدر أوامره الصارمة بضرورة التراجع عن تلك الزيادة و في الحال،و هو ما تم فعلا..

فمتى تتدخل السلطات المسؤولة لإيقاف هذا العبث باعتبار استقرار الأستاذ من الأسس الضرورية لتجويد التعلم؟أم أننا يجب أن ننتظر دائما التهديدات و الإضرابات و الكوارث و شل الحركة حتى نبحث عن حل ؟!!