زايد جرو - الرشيدية / جديد انفو
إن المجتمع في حقيقته هو الناس ، والأفكار، والمشاعر والأنظمة ... والعلاقات تنبني على المصالح ، فمتى وُجدت المصلحة ، كانت العلاقات أقوى ، وكلما انعدمت المصلحة قلت او ضعفت او فَتُرت هذه العلاقة ، والذي يوحد المجامع بين الناس ايضا هو اتفاق الأفكار على أن هذا الأمر فيه مصلحة او مفسدة ويصعب اصلاح الناس دون مصالح متبادلة بينهم .
العلاقات بين الناس تستوجب الوضوح والمكاشفة في التعامل بغض النظر عن ملة الأفراد والجماعات وتركيبة " الله اجعل الغفلة ما بين البايع والشاري " تجاوزت المصالح الظاهرة الى الغفلة و"الشمتة" ويمكن ات يتقوى الواحد على الاخر بقدر شطارته وتجربته في البيع والشراء اما اذا كان الفرد " غشيم " او " عِيان " فانه لن يستطيع التعايش مع الغفّالين والشماتين و"الحشّايين " بلغة اهل الجنوب الشرقي فينبني المجتمع على الغلط وعلى المفاهيم المغلوطة وتفسد العلاقات وتنعدم الثقة وتكثر الشكاوى على سلوكيات الافراد فيفقد المجتمع معناه وتنهار الثقة والعلاقات والمفاهيم .
وانت جالس ترتشف قهوتك المسائية على كرسي سئم جلوسك يمر على مقربة منك بائع متجول يحمل دكانا من السلع المروجة والمستهلكة قد تكون من النوع الردئ او غيره، تعجب العين ببعض ما يحمله المتجول وتود معرفة الثمن وتنظر الي السلعة ويكون قد قرأ سهم عينيك من بعيد ويحط رحال السلعة بالكرسي المجاور لك ويقدم لك البضاعة والاخرى والأخرى وحتى الاخرى المخبأة والخاصة بنوع خاص من الزبناء وانت لا تستحضر طبعا عبارة " الغفلة بين البائع والشاري " يطلب منك ثمنا عاليا ثم ينزل وينزل احيانا الى 20 درهما بدل 150 درهما ، وتطرح السؤال كم كان سيربح معي لولا الشطارة ، لان السلعة لا تخضع للمراقبة ولا لمنظومة القيم الدينية ولا الانسانية وقس على ذلك سلوكيات كل البائعين في الدكاكين وعلى الطرقات وفي كل مكان، ولا يتعلق الأمر بالبائع والمشتري فقط بل العبارة تم نسجها وتداولها في المعاملات التجارية لكن دلالتها تسري على باقي القطاعات الحكومية وغير الحكومية ، ففي المجال الانتخابي كلما كان السياسي يتقن لعبة رمي الكلام وصيد واصطياد المغفلين كلما كان الحصاد والحصد وافرا ، وكلما اتقن المسؤولون بيع الوهم للمواطنين كلما كثرت الثقة بهم ، فالغفلة بهذا المعنى وبالمعنى التداولي حاليا هو " التقوليب " فيصبح السياسي قوالبي يتقن فن " التقوليب " والشعب المغفل ينتظر التغيير بالحلم والصبر والشفقة ،وقس على ذلك باقي القطاعات وبناء الاسر ومؤسسة الزواج ...فاي سياسة تنموية واي تغيير يمكن ان تحدثه جماعة من " لبّاندية ولقوالبية " يتصيدون الغفلة وهم مدركون تمام الادراك دلالة تركيبة " الله اجعل الغفلة ما بين البائع والشاري " وهل يمكن ان يستقيم قوام وعمود أي مجتمع مبني على الشمتة والغفلة ؟ وهل يمكن بنا ء الثقة بين اعضاء جماعة او جمعية او مؤسسة او دولة في اطار التقوليب " الامر فيه استحالة وكم يحز في النفس حين يستيقظ المرء من " الكلبة " بتثليث نقط الكاف ويجد ان الحياة كلها مرت عليه وهو "مْقُولَبْ " يؤمن بالتفاهة ويخدم من لا يستحق ولا يمكنه العودة نحو البدء ولا السير نحو الأمام ،لذلك تكثر الانتحارات والهروب من مؤسسة الزواج والاغتراب دون رجعة عن الوطن .
السلوكيات التي من المفروض ان ينبني عليها المجتمع هي الصدق ذو المرجعية التربوية المدرسية او الدينية وهي التي يجب أن تؤسس العلاقات بين الناس لكن التركيبة اللغوية والاجتماعية المتداولة " الله اجعل الغفلة بين البائع والمشتري " أفسدت كل شيء ولم يتوقف اثرها منذ الأزل بل حفظها الجميع اكثر من حفظهم اسماءهم فانعدمت الثقة وتغيرت المفاهيم واصبح الحنين للماضي مطروحا باستمرار لانه الزمن الجميل وزمن الرجولة وزمن العز والصدق وزمن الغيرة وزمن الحب وزمن الثقة وزمن الدراسة ...والعودة لذاك الزمن هو البحث الانا بين منظومة من القيم التي تلاشت وتآكلت في زمن كثر فيه الشماتون و " لقوالبية " والمغشوشون في اصلهم وذويهم وثقافتهم ومرجعياتهم المعرفية .