محسن الأكرمين - مكناس / جديد أنفو
 
حين وددت الكتابة عن حرقة الفراق، وجدت نفسي لم تتحرر من مواجع موت سابق، وجدت نفسي أعيد نعي الموت لثاني مرة.
 
لم أعد أحتمل قوة ضغط الكتابة عن فزع الموت بعد بحر الألم والدمع الفياض الذي عشته سابقا. لم تعد حتى حروفي تتحمل الضغط مني للخروج والإفراج عن الأحزان الدفينة بعين البكاء والقلب. اليوم قررت معاودة الكتابة طوعا ولما حتى العيش رفقة الألم و تكرار الذكريات التي تجيء وتؤدي النفس. اليوم أعيش دمعات أسرة انتصار الصغيرة، أعيش دمعات أم حزينة و صدمة أب، اليوم تسربت بدون استئذان إلى كل القلوب والعيون التي تبكي انتصار، وأشاركهم بدمعة لاصقة تحيي تربة الوجع الخامد.
 
اليوم قررت الكتابة عن انتصار والتي أعرفها ولو بقلة اللقاءات والمصافحة ومجاملة التحية، قررت الكتابة عنك انتصار ليس رثاء لروحك الشابة وإنما لأنك أنت انتصار والتي قاومت المرض بابتسامة وكلمات أمل.
 
انتصار تلك الشابة التي كانت تحمل بسمة الموناليزا، كانت تحمل أمل أسرة وحلم وطن في التغيير، كانت انتصار تنتصر للغة الحق، وتنتصر لعيش الكرامة والعدالة الاجتماعية، كانت لغة كلامها توزع بالواضح من رمز القوى الشعبية المناضلة.
 
من شدة ألم الكتابة عن روح الموت يصيبني دوما ارتعاد في مقدمة يدي اليمنى عند تفاقم التفكير في مواجع الفراق، من شدة أثر الكتابة سوءا عن الموت أن البكاء لا يخبو صوته عندي علوا. اليوم مات جسد انتصار وهي تحتفظ بروح بسمتها على ملمحها الملائكي، ماتت ووصيتها للشباب أن الانتصار هو انتصار على قوى الشر، هو انتصار ضد الألم وكل المعانات الجماعية لعموم الشعب، ماتت بالموت المحتوم وهي تحمل شفاه كلمات طيعة عالية ترفرف قولا " أنا انتصار ابنة الشعب وسليلة رؤية تطلعات الحق والعدل بالوطن".
 
ماتت انتصار بمناجاة " ...إلهي رحمة، فأنا القادمة إليك بأعمالي، رأفة بي أنت الحق والعدل، سبحانك لا إله إلا أنت، لك العزة والحكم المطلق والرضا بالقدر...". متمة قولها الحلمي" لا تحزنوا علي أمي، أبي، إخوتي... أسرتي، عائلتي الكبرى، لا تحزنوا رفاق دربي وعمري الزمني، وضعوني في قلوبكم ، فالموت سيجعلكم أكثر إحساسا بهبة سماء الحياة وبانتصار انتصار الفتاة على الألم". تقول في انتصار في حلم رسالتها " آه، أسرتي، يا من يحملون كل أسماء عائلتي الكبرى، فالبذرة في التراب لا تنبت شتلة إلا بعد موتها... هي وصيتي إليكم جميعا ، أنا انتصار حاضرة دائما في خطاباتكم التقدمية".
 
كل الكلمات المكتوبة عندي تتوافد بالتقطع والبكاء الدائري، و بحزن دفين يغتال كل معارفها بالألم الحاضر، دموع عيون تجري قضت مضجع مدينة مكناس بالبكاء، ألم جرح الموت لن يندمل البتة ولو مع زمن النسيان. تقول انتصار في حلمي الواقف" إليكم أبناء مدينتي، أبناء أحلام يقظتي، فالموت لم يطل من روحي تغييبا، فروح بسمتي بينكم، و حتى آلامي باقية بينكم ومقامها لن يفارق المدينة ولا كرسي جلوسي بينكم... امشوا وراء نعشي صامتين، ضعوا على قبري أوراق شجرة زيتونة مكناسية ...".
 
ماتت انتصار وتركت رصيدا من المواقف الشجاعة في شغف متابعة مطالب نيل الحرية ومتابعة سلة النضال التقدمي، وقد بصمت وشما على أن الحرية ليست بالهبة التي تمنح بالمجان بل هي معاودة و نضال مستمر في تفعيل الإصلاحات الهادئة والرامية إلى الحد من تسربات سياسة التيئيس وفقدان الشباب الثقة في المستقبل.
 
كلماتي الأخيرة أكد فيها أن الموت قدر لا اعتراض عليه بالمرة، أحسست بقلب صادق جرب موت الابن الشاب بمعاناة الناس وآلامهم، لن أقف عند حد الموت بل اختصر القول " الموت والولادة ، صعب أن تعاد مرتين". وحق القول أقول: انتصرت انتصار على الألم وألحقت به هزيمة أشد مقاومة ومداومة على التحمل، انتصرت عن كل المواجع و قررت العيش في حياة الخلد تاركة الألم عند مساحة الفناء.