حسن العلمي / جديد أنفو

انطلقت منذ مدة بكل الجهات و بكل الأكاديميات و النيابات اللقاءات التشاورية حول إصلاح المنظومة التربوية المغربية، تشرف عليها وزارة التربية الوطنية بإشراك مجموعة من الفاعلين و المتدخلين قصد إيقاظ التعليم ببلادنا الذي دخل في غيبوبة لا نعرف متى سيستفيق منها رغم العلاجات و الإسعافات الأولية و المسكنات التي استعملت ليسترد وعيه و عافيته ، فقد حاول رجال التعليم إداريون و ممارسون مركزيا و جهويا و إقليميا و محليا تشخيص المرض و استبشروا خيرا حيث ظن الجميع أنهم وضعوا أيديهم على الداء، لكن و يا للأسف لم يتوصلوا لأسباب الفشل الحقيقي بل حصروا الفشل في أعراض جانبية ليست هي حقيقة من أدخل التعليم في سريريته ، أقول حصروها في عدم تعاون الأسرة مع المدرسة،و تغيبات بعض الأساتذة، و كذا الدور السلبي لوسائل الإعلام و الشارع و المناهج و نقص في التجهيزات والبنيات التحتية...و أشياء أخرى ليست بالجوهرية ، لكن فساد التعليم يكمن في ما سأتناوله الآن و كونوا على يقين أن فساد المنظومة سيبقى و لو فعلت الوزارة ما فعلت ، فمشكل التعليم هو :

1 ـ الفساد و الإداري المالي المنتشر في القطاع من قمته لقاعدته، فالأموال تصرف و بسخاء على مجموعة من المخططات ما إن تظهر حتى تختفي من جديد لأنها اعتمدت بنوع من الارتجالية و لنا أن نعود إلى الميثاق و المخطط الاستعجالي و الكفايات ...و ... و ... و كلنا نعرف ماذا أنفقت الدولة من أموال و نفاجأ اليوم بالمشروع المغربي الكندي و المخططات و الشعارات و الخطب في المنابر ، لكن المنظومة التربوية لا زالت مصابة بالارتجاج و لا تعرف أين ستستقر .

2 ـ العنصر البشري المتسلم مفاتيح التدبير و التسيير أغلبه غير مؤهل و غير قادر على الإدارة و القيادة ناهيك عن غياب النزاهة ، فغياب الحس الوطني لذا الأغلبية و حب الكراسي أنساهم التصنيف العالمي للمغرب على مستوى التعليم .

3 ـ أغلبية من يتحملون تسيير القطاع على مستوى الوزارة و الأكاديميات و النيابات مكلفون فقط لا يتوفرون على الخبرات و المهارات و على الحنكة في تدبير شؤون القطاع.

4 ـ غياب الأنشطة الموازية في مدارسنا التي تعتبر ملح العملية التعليمية التعليمية ، فوجود الأنشطة الموازية يجعل التلميذ ينخرط في البرنامج السنوي للمؤسسة و يساهم في عمل الأندية ، كنادي الرياضة و نادي المسرح و أندية أخرى ، فالوزارة أجهزت عليها و ترهب كل من ينوي المبادرة فيها بمجموعة من المسؤوليات جعلت الكل يقول اللهم السلامة و لا الندامة

5 ـ نهج الوزارة لسياسة المركزية و الاقتصار على تأهيل بعض المدارس في المدن و تهميش الباقي مما يجعل العمل في قاعات دراسية تفتقر لأبسط الشروط لا يرقى للمستوى المطلوب كالقاعات المفككة و لا داعي للدخول في تفاصيلها بالإضافة إلى افتقار مؤسساتنا للمختبرات والمرافق التطبيقية والمساحات الحيوية لممارسة الأنشطة المختلفة كالملاعب الرياضية و المحترفات.....

6 ـ غياب التكوين المستمر لرجال و نساء التعليم و الدورات التدريبية ، فغالبيتهم لا زال لم يخرج من الرّتابة والتّلقين والتّحفيظ و تجدهم يقدمون منتوجا عقيما سطحيا عملوا بها منذ عشرين سنة لم ينفتحوا على التقنيات الجديدة ، فلا تكوين ذاتي و لا مبادرات شخصية و لا تطوير للأداء رغم أن كل شيء يتطور حولهم ، فلا بد من معلمين متمكنين ومناهج ناضجة وبيئة جاذبة ليتحقّق من خلالها إحكام العقل وتغذية المهارات ودعم المواهب.

7 ـ مناهج مختلفة من جهة لأخرى اعتمدت فقط لإرضاء من ألفوها لأن لهم علاقات مع من يشرفون على التعليم ، هي في واد والواقع في وادٍ آخر، فالمؤلف لا تهمه إلا أجرة التأليف والكتابة، بينما أصحاب الخبرات والقادرون على وضع المناهج الملائمة مستبعدون و مغضوب عليهم .

8 ـ مؤسساتنا يطلق عليه مؤسسات التربية و التعليم فهاتان الكلمتان متلازمتان لما تحملانه من معاني سامية ومبادئ قيمة لبناء الشخصية المتكاملة للتلميذ ، لكن مؤسساتنا تعجز اليوم على مأسسة منهج تربوي متكامل لتقويم سلوك التلاميذ ، عنف و استهتار و بلطجة في مؤسساتنا ،فلا بد من أن يرى التلميذ القدوة الحسنة في مدرسته و في أستاذه و في النوادي التي ينخرط فيها ،و على المؤسسة تلبية حاجاته من تعليم و أنشطة تشغله عن التسكع و ضياع الوقت ، إضافة إلى هذا قد فشلت مؤسساتنا في صقل عقلية المتعلم، و تطوير مفاهيمه وفشلت في تمكينه من التعامل مع عالم يتعقد يوما بعد يوم .

9 ـ غياب التخصص لذا رجال التعليم و كثرة المواد في المدارس الابتدائية ، يجعل التلميذ يتعامل مع 11 مادة في اليوم و خاصة في التوقيت المسترسل ، فما إن ينتهي من مادة حتى يدخل في أخرى ، وهنا يتضاعف الملل عنده و يمل المدرسة و المادة و الأستاذ و يفكر في الانقطاع ...


أسباب متعددة و معقدة و معيقات تتضاعف يوما بعد يوم تجعل منظومتنا التعليمية أشبه ما تكون بمتاهة الداخل مفقود و الخارج منها مولود، فهي محتاجة لقاعدة صلبة تنطلق عليها من جديد.